(وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (١٢١))
قوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) سبب نزولها مجادلة المشركين للمؤمنين في قولهم : أتأكلون ممّا قتلتم ، ولا تأكلون ما قتل الله! على ما ذكرنا في سبب قوله تعالى : (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) ؛ هذا قول ابن عباس.
(٥٥٤) وقال عكرمة : كتبت فارس إلى قريش : إن محمّدا وأصحابه لا يأكلون ما ذبحه الله ، ويأكلون ما ذبحوا لأنفسهم ؛ فكتب المشركون إلى أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوسلم بذلك ، فوقع في أنفس ناس من المسلمين من ذلك شيء ، فنزلت هذه الآية.
وفي المراد بما لم يذكر اسم الله عليه أربعة أقوال : أحدها : أنه الميتة ، رواه ابن جبير عن ابن عباس. والثاني : أنه الميتة والمنخنقة ، إلى قوله تعالى : (وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) ، روي عن ابن عباس. والثالث : أنها ذبائح كانت العرب تذبحها لأوثانها ، قاله عطاء. والرابع : أنه عامّ فيما لم يسمّ الله عند ذبحه ؛ وإلى هذا المعنى ذهب عبد الله بن يزيد الخطميّ ، ومحمّد بن سيرين.
فصل : فإن تعمّد ترك التّسمية ، فهل يباح؟ فيه عن أحمد روايتان (١). وإن تركها ناسيا أبيحت. وقال الشّافعيّ : لا يحرم في الحالين جميعا. وقال شيخنا عليّ بن عبيد الله : فإذا قلنا : إنّ ترك التّسمية عمدا يمنع الإباحة ، فقد نسخ من هذه الآية ذبائح أهل الكتاب بقوله تعالى : (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ) (٢). وعلى قول الشّافعيّ : الآية محكمة.
قوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) يعني : وإنّ أكل ما لم يذكر عليه اسم الله لفسق ، أي : خروج عن الحقّ والدّين. وفي المراد بالشياطين ها هنا قولان : أحدهما : أنهم شياطين الجن ، روي عن ابن عباس الثاني : قوم من أهل فارس ، وقد ذكرناه عن عكرمة. فعلى الأولى : وحيهم الوسوسة ، وعلى الثاني : وحيهم الرّسالة. والمراد ب «أوليائهم» الكفّار الذين جادلوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم في ترك أكل الميتة (٣). ثم
____________________________________
(٥٥٤) ضعيف منكر. أخرجه الطبري ١٣٨٠٩ عن عكرمة مرسلا فهو ضعيف ، وكرره ١٣٨١٠ عن عكرمة بنحوه مرسلا أيضا ، وذكره «فارس» منكر ، وتقدم الراجح.
__________________
(١) قال الإمام الموفق رحمهالله في «المفتي» ١٣ / ٢٩٠ ـ ٢٩١ : التسمية على الذبيحة ، المشهور من مذهب أحمد أنها شرط مع الذكر ، وتسقط بالسهو ، وروي ذلك عن ابن عباس ، وبه قال مالك والثوري وأبو حنيفة وإسحاق ، وممن أباح ما نسيت التسمية عليه : عطاء وطاوس وابن المسيب والحسن وعبد الرحمن بن أبي ليلى وجعفر بن محمد وربيعة الرأي. وعن أحمد أنها مستحبة غير واجبة في عمد ولا سهو ، وبه قال الشافعي. ولنا قول ابن عباس : من نسي التسمية فلا بأس ، وروى سعيد بن منصور بإسناده عن راشد بن سعد قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ذبيحة المسلم ، حلال ، وإن لم يسم إذا لم يتعمد». قال : ويفارق الصيد ، لأن ذبحه في غير محل فاعتبرت التسمية تقوية له.
(٢) سورة المائدة : ٥.
(٣) قال الطبري في «تفسيره» ٥ / ٣٢٨ الآية (وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ) : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال :