(٥٥٣) سبب نزولها : أنّ الله تعالى لمّا حرّم الميتة ، قال المشركون للمؤمنين : إنكم تزعمون أنكم تعبدون الله ، فما قتل الله لكم أحقّ أن تأكلوه ممّا قتلتم أنتم ، يريدون الميتة ، فنزلت هذه الآية ، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
(وَما لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (١١٩))
قوله تعالى : (وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا) قال الزّجّاج : المعنى : وأيّ شيء يقع لكم في أن لا تأكلوا؟ وموضع «أن» نصب ، لأنّ «في» سقطت ، فوصل المعنى إلى «أن» فنصبها.
قوله تعالى : (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ) قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن عامر : «فصّل لكم ما حرّم عليكم» مرفوعتان ؛ وقرأ نافع ، وحفص عن عاصم ، ويعقوب ، والقزّاز عن عبد الوارث : «فصّل» بفتح الفاء ، «ما حرّم» بفتح الحاء ، وقرأ حمزة ، والكسائيّ ، وأبو بكر عن عاصم : «فصّل» بفتح الفاء ، «ما حرّم» بضم الحاء. قال الزّجّاج : أي : فصّل لكم الحلال من الحرام ، وأحلّ لكم في الاضطرار ما حرّم. وقال سعيد بن جبير : فصّل لكم ما حرّم عليكم ، يعني : ما بيّن في (المائدة) من الميتة ، والدّم ، إلى آخر الآية. «وإنّ كثيرا ليضلّون بأهوائهم» يعني : مشركي العرب يضلّون في أمر الذّبائح وغيره ، قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو : «ليضلون» ، وفي (يونس) : «ربّنا ليضلّوا» وفي (إبراهيم) : «أندادا ليضلّوا» وفي (الحج) : «ثاني عطفه ليضلّ» وفي (لقمان) : «ليضلّ عن سبيل الله بغير علم» وفي (الزّمر) : «أندادا ليضلّ» ، بفتح الياء في هذه المواضع السّتة ؛ وضمّهنّ عاصم وحمزة ، والكسائيّ. وقرأ نافع ، وابن عامر : «ليضلون بأهوائهم». وفي (يونس) «ليضلّوا» بالفتح ؛ وضمّا الأربعة الباقية. فمن فتح ، أراد : أنهم هم الذين ضلّوا ؛ ومن ضمّ ، أراد : أنهم أضلّوا غيرهم ، وذلك أبلغ في الضلال ، لأنّ كلّ مضلّ ضالّ؟ وليس كلّ ضال مضلّا.
(وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ (١٢٠))
قوله تعالى : (وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ) ، في الإثم ها هنا ثلاثة أقوال :
أحدها : أنه الزّنا ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ؛ فعلى هذا ، في ظاهره وباطنه قولان : أحدهما : أنّ ظاهره : الإعلان به ، وباطنه : الاستسرار به ، قاله الضّحّاك ، والسّدّيّ. قال الضّحّاك : وكانوا يرون الاستسرار بالزّنا حلالا. والثاني : أنّ ظاهره نكاح المحرّمات ، كالأمّهات ، والبنات ، وما نكح الآباء. وباطنه : الزّنا ، قاله سعيد بن جبير.
والثاني : أنه عامّ في كلّ إثم. والمعنى : ذروا المعاصي ، سرّها وعلانيتها ؛ وهذا مذهب أبي العالية ، ومجاهد ، وقتادة ، والزّجّاج. وقال ابن الأنباري : المعنى : ذروا الإثم من جميع جهاته.
والثالث : أنّ الإثم : المعصية ، إلّا أنّ المراد به ها هنا أمر خاصّ. قال ابن زيد : ظاهره ها هنا : نزع أثوابهم ، إذ كانوا يطوفون بالبيت عراة ، وباطنه : الزّنا.
____________________________________
(٥٥٣) عزاه المصنف لأبي صالح عن ابن عباس ، وهذه الرواية واهية ، لكن المتن محفوظ ، انظر ما قبله.