ابن قتيبة : أي : حتى لا يعلم بعد علمه بالأمور شيئا ، لشدّة هرمه. وقال الزّجّاج : المعنى : أنّ منكم من يكبر حتى يذهب عقله خرفا ، فيصير بعد أن كان عالما جاهلا ، ليريكم من قدرته ، كما قدر على إماتته وإحيائه ، أنه قادر على نقله من العلم إلى الجهل. وروى عطاء عن ابن عباس أنه قال : ليس هذا في المسلمين ، المسلم لا يزداد في طول العمر والبقاء إلّا كرامة عند الله ، وعقلا ، ومعرفة. وقال عكرمة : من قرأ القرآن ، لم يردّ إلى أرذل العمر.
(وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ يَجْحَدُونَ (٧١))
قوله تعالى : (وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ) يعني : فضّل السّادة على المماليك (فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا) يعني : السّادة (بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) فعبّرت «ما» عن «من» لأنّه موضع إبهام ، تقول : ما في الدّار؟ فيقول المخاطب : رجلان أو ثلاثة ، ومعنى الآية : أنّ المولى لا يردّ على ما ملكت يمينه من ماله حتى يكون المولى والمملوك في المال سواء ، وهو مثل ضربه الله تعالى للمشركين الذين جعلوا الأصنام شركاء له ، والأصنام ملكا له ، يقول : إذا لم يكن عبيدكم معكم في الملك سواء ، فكيف تجعلون عبيدي معي سواء ، وترضون لي ما تأنفون لأنفسكم منه؟! وروى العوفيّ عن ابن عباس ، قال : لم يكونوا أشركوا عبيدهم في أموالهم ونسائهم ، فكيف يشركون عبيدي معي في سلطاني؟ وروى أبو صالح عن ابن عباس قال : نزلت في نصارى نجران حين قالوا : عيسى ابن الله تعالى.
قوله تعالى : (أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ يَجْحَدُونَ) قرأ أبو بكر عن عاصم : «تجحدون» بالتاء. وفي هذه النّعمة قولان : أحدهما : حجّته وهدايته. والثاني : فضله ورزقه.
(وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (٧٢) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ (٧٣) فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٧٤))
قوله تعالى : (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) يعني النّساء ، وفي معنى «من أنفسكم» قولان : أحدهما : أنه خلق آدم ، ثم خلق زوجته منه ، قاله قتادة. والثاني : «من أنفسكم» ، أي : من جنسكم من بني آدم ، قاله ابن زيد. وفي الحفدة خمسة أقوال : أحدها : أنهم الأصهار ، أختان الرجل على بناته ، قاله ابن مسعود ، وابن عباس في رواية ، ومجاهد في رواية ، وسعيد بن جبير ، والنّخعيّ ، وأنشدوا من ذلك :
ولو أنّ نفسي طاوعتني لأصبحت |
|
لها حفد ممّا يعدّ كثير (١) |
ولكنّها نفس عليّ أبيّة |
|
عيوف لأصهار اللّئام قذور |
والثاني : أنهم الخدم ، رواه مجاهد عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد في رواية الحسن ، وطاوس وعكرمة في رواية الضّحّاك ، وهذا القول يحتمل وجهين : أحدهما : أنه يراد بالخدم : الأولاد ، فيكون
__________________
(١) ذكره ابن منظور في «اللسان» مادة «حفد». ولم ينسبه لقائل.