قوله تعالى : (وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ) أي : زينة ، (حِينَ تُرِيحُونَ) أي : حين تردّونها إلى مراحها ، وهو المكان الذي تأوي إليه ، فترجع عظام الضّروع والأسنمة ، فيقال : هذا مال فلان ، (وَحِينَ تَسْرَحُونَ) : ترسلونها بالغداة إلى مراعيها. فإن قيل : لم قدّم الرّواح وهو مؤخّر؟ فالجواب : أنها في حال الرّواح تكون أجمل ؛ لأنها قد رعت ، وامتلأت ضروعها ، وامتدّت أسنمتها.
قوله تعالى : (وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ) الإشارة بهذا إلى ما يطيق الحمل منها ، والأثقال : جمع ثقل ، وهو متاع المسافر. وفي قوله تعالى : (إِلى بَلَدٍ) قولان : أحدهما : أنه عامّ في كلّ بلد يقصده المسافر ، وهو قول الأكثرين. والثاني : أنّ المراد به : مكّة ، قاله عكرمة ، والأول أصحّ. والمعنى : أنها تحملكم إلى كلّ بلد لو تكلّفتم أنتم بلوغه لم تبلغوه إلّا بشقّ الأنفس.
وفي معنى «شق الأنفس» قولان : أحدهما : أنه المشقّة ، قاله الأكثرون. قال ابن قتيبة : يقال : نحن بشقّ من العيش ، أي : بجهد.
(٨٥٦) وفي حديث أمّ زرع : «وجدني في أهل غنيمة بشقّ».
والثاني : أنّ الشّقّ : النّصف ، فكان الجهد ينقص من قوة الرّجل ونفسه كأنه قد ذهب نصفه ، ذكره الفرّاء.
قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) أي حين منّ عليكم بالنّعم التي فيها هذه المرافق.
(وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ (٨))
قوله تعالى : (وَالْخَيْلَ) أي : وخلق الخيل (وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً) قال الزّجّاج : المعنى : وخلقها زينة.
فصل : ويجوز أكل لحم الخيل ، وإنما لم يذكر في الآية ، لأنه ليس هو المقصود ، وإنما معظم المقصود بها الرّكوب والزّينة ، وبهذا قال الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة ومالك : لا تؤكل لحوم الخيل.
قوله تعالى : (وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ) ذكر قوم من المفسّرين : أنّ المراد به عجائب المخلوقات في السّماوات والأرض التي لم يطّلع عليها ، مثل ما يروى : إنّ لله ملكا من صفته كذا ، وتحت العرش نهر من صفته كذا. وقال قوم : هو ما أعدّ الله لأهل الجنّة فيها ولأهل النّار. وقال أبو سليمان الدّمشقي : في النّاس من كره تفسير هذا الحرف. وقال الشعبيّ : هذا الحرف من أسرار القرآن.
(وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (٩) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (١٠) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (١١) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (١٢))
____________________________________
(٨٥٦) صحيح ، هو قطعة من حديث طويل أخرجه البخاري ٥١٨٩ ومسلم ٢٤٤٨ ، وأبو يعلى ٤٧٠١ والترمذي في «الشمائل» ٢٥١ وابن حبان ٧١٠٥ من حديث عائشة.