بالملائكة جبريل عليهالسلام وحده. وفي المراد بالرّوح ستة أقوال (١) :
أحدها : الوحي ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. والثاني : أنه النّبوّة ، رواه عكرمة عن ابن عباس. والثالث : أنّ المعنى : تنزّل الملائكة بأمره ، رواه العوفيّ عن ابن عباس. فعلى هذا يكون المعنى : أنّ أمر الله كلّه روح. قال الزّجّاج : الرّوح ما كان فيه من أمر الله حياة النّفوس بالإرشاد. والرابع : أنه الرّحمة ، قاله الحسن ، وقتادة. والخامس : أنه أرواح الخلق : لا ينزل ملك إلّا ومعه روح ، قاله مجاهد. والسادس : أنه القرآن ، قاله ابن زيد. فعلى هذا سمّاه روحا ، لأنّ الدّين يحيا به ، كما أنّ الرّوح تحيي البدن.
وقال بعضهم : الباء في قوله : (بِالرُّوحِ) بمعنى : مع ، فالتّقدير : مع الرّوح ، (مِنْ أَمْرِهِ) أي : بأمره ، (عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) يعني : الأنبياء ، (أَنْ أَنْذِرُوا) قال الزّجّاج : والمعنى : أنذروا أهل الكفر والمعاصي (أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا) أي : مروهم بتوحيدي ، وقال غيره : أنذروا بأنه لا إله إلّا أنا ، أي : مروهم بالتّوحيد مع تخويفهم إن لم يقرّوا.
(خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٤))
قوله تعالى : (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ) قال المفسّرون : أخذ أبيّ بن خلف عظما رميما ، فجعل يفتّه ويقول : يا محمّد كيف يبعث الله هذا بعد ما رمّ؟ فنزلت فيه هذه الآية. والخصيم : المخاصم ، والمبين : الظّاهر الخصومة. والمعنى : أنه مخلوق من نطفة ، وهو مع ذلك يخاصم وينكر البعث ، أفلا يستدلّ بأوّله على آخره ، وأنّ من قدر على إيجاده أوّلا ، يقدر على إعادته ثانيا؟! وفيه تنبيه على إنعام الله عليه حين نقله من حال ضعف النّطفة إلى القوّة التي أمكنه معها الخصام.
(وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (٥) وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (٦) وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٧))
قوله تعالى : (وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ) الأنعام : الإبل ، البقر ، والغنم.
قوله تعالى : (لَكُمْ فِيها دِفْءٌ) فيه قولان : أحدهما : أنه ما استدفئ من أوبارها تتّخذ ثيابا ، وأخبية ، وغير ذلك. روى العوفيّ عن ابن عباس أنه قال : يعني بالدّفء : اللباس ، وإلى هذا المعنى ذهب الأكثرون. والثاني : أنه نسلها. روى عكرمة عن ابن عباس : (فِيها دِفْءٌ) قال : الدّفء : نسل كلّ دابّة ، وذكر ابن السّائب قال : يقال : الدّفء أولادها ، ومن لا يحمل من الصّغار ، وحكى ابن فارس اللغويّ عن الأمويّ ، قال : الدّفء عند العرب : نتاج الإبل وألبانها.
قوله تعالى : (وَمَنافِعُ) أي : سوى الدّفء من الجلود ، والألبان ، والنّسل ، والرّكوب ، والعمل عليها ، إلى غير ذلك ، (وَمِنْها تَأْكُلُونَ) يعني : من لحوم الأنعام.
__________________
(١) قال ابن كثير رحمهالله في «تفسيره» ٢ / ٥٦١ : يقول الله تعالى : (يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ) أي الوحي كقوله تعالى : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ ...).