والقصص تثنّى فيه ، فعلى هذا القول ، المراد بالسّبع : سبعة أسباع القرآن ، ويكون في الكلام إضمار ، تقديره : وهي القرآن العظيم.
فأمّا قوله تعالى : (مِنَ الْمَثانِي) ففي «من» قولان : أحدهما : أنها للتّبعيض ، فيكون المعنى : آتيناك سبعا من جملة الآيات التي يثنى بها على الله تعالى ، وآتيناك القرآن. والثاني : أنها للصّفة ، فيكون السّبع هي المثاني ، ومنه قوله تعالى : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) (١) لا أنّ بعضها رجس ، ذكر الوجهين الزّجّاج ، وقد ذكرنا عن ابن الأنباري قريبا من هذا المعنى.
قوله تعالى : (وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) يعني : العظيم القدر ، لأنه كلام الله تعالى ، ووحيه ، وفي المراد به ها هنا قولان : أحدهما : أنه جميع القرآن. قاله ابن مسعود ، وابن عباس ، ومجاهد ، والضّحّاك. والثاني : أنه الفاتحة أيضا ، قاله أبو هريرة ، وقد روينا فيه حديثا في أوّل تفسير (الفاتحة). قال ابن الأنباري : فعلى القول الأوّل ، يكون قد نسق الكلّ على البعض ، كما يقول العربيّ : رأيت جدار الدّار والدّار ، وإنما يصلح هذا ، لأنّ الزّيادة التي في الثاني من كثرة العدد أشبه بها ما يغاير الأوّل ، فجوّز ذلك عطفه عليه. وعلى القول الثاني ، نسق الشيء على نفسه لمّا زيد عليه معنى المدح والثّناء ، كما قالوا : روي ذلك عن عمر ، وابن الخطّاب ، يعنون بابن الخطّاب : الفاضل العالم الرّفيع المنزلة ، فلما دخلته زيادة ، أشبه ما يغاير الأوّل ؛ فعطف عليه.
ولمّا ذكر الله تعالى منّته عليه بالقرآن ، نهاه عن النّظر إلى الدنيا ليستغني بما آتاه من القرآن عن الدنيا ، فقال : (لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ) أي : أصنافا من اليهود والمشركين ، والمعنى : أنه نهاه عن الرّغبة في الدنيا ، وفي قوله : (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) قولان :
أحدهما : لا تحزن عليهم إن لم يؤمنوا. والثاني : لا تحزن بما أنعمت عليهم في الدنيا.
قوله تعالى : (وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) أي : ألن جانبك لهم ، وخفض الجناح ، عبارة عن السّكون وترك التّعصّب والإباء ، قال ابن عباس : ارفق بهم ولا تغلظ عليهم.
قوله تعالى : (وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ) حرّك ياء «إني» ابن كثير ، وأبو عمرو ، ونافع. وذكر بعض المفسّرين أنّ معناها منسوخ بآية السّيف.
(كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (٩٠) الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (٩١) فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٣))
قوله تعالى : (كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ) (٩٠) في هذه الكاف قولان :
أحدهما : أنها متعلّقة بقوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي) ثمّ في معنى الكلام قولان : أحدهما : أنّ المعنى : ولقد آتيناك سبعا من المثاني ، كما أنزلنا الكتاب على المقتسمين ، قاله مقاتل. والثاني : أنّ المعنى : ولقد شرّفناك وكرّمناك بالسّبع المثاني ، كما شرّفناك وأكرمناك بالذي أنزلناه على المقتسمين من العذاب ، والكاف بمعنى «مثل» و «ما» بمعنى «الذي» ذكره ابن الأنباري. والثاني : أنّها
__________________
(١) سورة الحج : ٣٠.