متعلّقة بقوله : (إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ) ، والمعنى : إنّي أنا النّذير ، أنذرتكم مثل الذي أنزل على المقتسمين من العذاب ، وهذا معنى قول الفرّاء. فخرج في معنى «أنزلنا» قولان : أحدهما : أنزلنا الكتاب ، على قول مقاتل. والثاني : العذاب ، على قول الفرّاء.
وفي «المقتسمين» ثلاثة أقوال : أحدها : أنهم اليهود والنّصارى ، رواه العوفيّ عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ومجاهد. فعلى هذا في تسميتهم بالمقتسمين ثلاثة أقوال : أحدها : أنهم آمنوا ببعض القرآن وكفروا ببعضه ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس. والثاني : أنهم اقتسموا القرآن ، فقال بعضهم : هذه السّورة لي ، وقال آخر : هذه السّورة لي ، استهزاء به ، قاله عكرمة. والثالث : أنهم اقتسموا كتبهم فآمن بعضهم ببعضها وكفر ببعضها ، وآمن آخرون بما كفر به غيرهم ، قاله مجاهد.
والثاني : أنهم مشركو قريش. قاله قتادة ، وابن السّائب ، فعلى هذا في تسميتهم بالمقتسمين قولان : أحدهما : أنّ أقوالهم تقسّمت في القرآن ، فقال بعضهم : إنه سحر ، وزعم بعضهم أنه كهانة ، وزعم بعضهم أنه أساطير الأوّلين ، منهم الأسود بن عبد يغوث ، والوليد بن المغيرة ، وعديّ بن قيس السّهميّ ، والعاص بن وائل ، قاله قتادة. والثاني : أنهم اقتسموا على عقاب مكّة ، قال ابن السّائب : هم رهط من أهل مكّة اقتسموا على عقاب مكّة حين حضر الموسم ، قال لهم الوليد بن المغيرة : انطلقوا فتفرّقوا على عقاب مكّة حيث يمرّ بكم أهل الموسم ، فإذا سألوكم عنه ، يعني : رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فليقل بعضكم : كاهن ، وبعضكم : ساحر ، وبعضكم : شاعر ، وبعضكم : غاو ، فإذا انتهوا إليّ صدّقتكم ، ومنهم حنظلة بن أبي سفيان ، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة ، والوليد بن المغيرة ، وأبو جهل ، والعاص بن هشام ، وأبو قيس بن الوليد ، وقيس بن الفاكه ، وزهير بن أبي أميّة ، وهلال بن عبد الأسود ، والسّائب بن صيفيّ ، والنّضر بن الحارث ، وأبو البختري بن هشام ، وزمعة بن الحجّاج ، وأميّة بن خلف ، وأوس بن المغيرة.
والثالث : أنهم قوم صالح الذي تقاسموا بالله : (لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ) فكفاه الله شرّهم ، قاله عبد الرّحمن بن زيد. فعلى هذا هو من القسم ، لا من القسمة.
قوله تعالى : (الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) في المراد بالقرآن قولان : أحدهما : أنه كتابنا ، وهو الأظهر ، وعليه الجمهور. والثاني : أنّ المراد به : كتب المتقدّمين قبلنا. وفي «عضين» قولان : أحدهما : أنه مأخوذ من الأعضاء. قال الكسائيّ ، وأبو عبيدة : اقتسموا بالقرآن وجعلوه أعضاء. ثم فيما فعلوا فيه قولان : أحدهما : أنهم عضّوه أعضاء ، فآمنوا ببعضه ، وكفروا ببعضه ، والمعضيّ : المفرّق ، والتّعضية : تجزئة الذّبيحة أعضاء ، قال عليّ عليهالسلام : لا تعضية في ميراث ، أراد : تفريق ما يوجب تفريقه ضررا على الورثة كالسّيف ، ونحوه. وقال رؤبة :
وليس دين الله بالمعضّى (١)
وهذا المعنى في رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس. والثاني : أنهم عضّوا القول فيه ، أي : فرّقوا ، فقالوا : شعر ، وقالوا : سحر ، وقالوا : كهانة ، وقالوا : أساطير الأوّلين ، وهذا المعنى في رواية
__________________
(١) في «اللسان» مادة «عضا».