والفرّاء حكيا عن العرب أنهم يقولون : ربّما يندم فلان ، قال الشاعر :
ربّما تجزع النّفوس من الأم |
|
ر له فرجة كحلّ العقال (١) |
(ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٣))
قوله تعالى : (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا) أي : دع الكفار يأخذوا حظوظهم في الدنيا ، (وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ) أي : ويشغلهم ما يأملون في الدنيا عن أخذ حظّهم من الإيمان والطاعة (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) إذا وردوا القيامة وبال ما صنعوا ، وهذا وعيد وتهديد ، وهذه الآية عند المفسّرين منسوخة بآية السّيف.
(وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ (٤) ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (٥))
قوله تعالى : (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ) أي : ما عذّبنا من أهل قرية (إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) أي أجل موقّت لا يتقدّم ولا يتأخّر عنه. (ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها) «من» صلة ، والمعنى : ما تتقدّم وقتها الذي قدر لها بلوغه ، ولا تستأخر عنه. قال الفرّاء : إنما قال : «أجلها» لأنّ الأمّة لفظها مؤنّث ، وإنما قال : «يستأخرون» إخراجا له على معنى الرّجال.
(وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (٦) لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧) ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ (٨))
قوله تعالى : (وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ) قال مقاتل : نزلت في عبد الله بن أبي أميّة والنّضر بن الحارث ونوفل بن خويلد والوليد بن المغيرة. قال ابن عباس : والذّكر ؛ القرآن. وإنما قالوا هذا استهزاء ، لو أيقنوا أنه نزّل عليه الذّكر ، ما قالوا (إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ). قال أبو عليّ الفارسيّ : وجواب هذه الآية في سورة أخرى في قوله تعالى : (ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) (٢).
قوله تعالى : (لَوْ ما تَأْتِينا) قال الفرّاء : «لو ما» و «لو لا» لغتان معناهما : هلّا ، وكذلك قال أبو عبيدة : هما بمعنى واحد ، وأنشد لابن مقبل :
لو ما الحياء ولو ما الدّين عبتكما |
|
ببعض ما فيكما إذ عبتما عوري |
قال المفسّرون : إنما سألوا الملائكة ليشهدوا له بصدقه ، وأنّ الله أرسله ، فأجابهم الله تعالى بقوله : (ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِ) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر «ما تنزّل» بالتاء المفتوحة «الملائكة» بالرفع. وروى أبو بكر عن عاصم «ما تنزّل» بضمّ التاء على ما لم يسمّ فاعله. وقرأ حمزة ، والكسائيّ ، وحفص عن عاصم ، وخلف «ما ننزّل» بالنون والزاي مشددة «الملائكة» نصبا. وفي المراد بالحق أربعة أقوال : أحدها : أنه العذاب إن لم يؤمنوا ، قاله الحسن. والثاني : الرّسالة ، قاله مجاهد. والثالث : قبض الأرواح عند الموت ، قاله ابن السّائب. والرابع : أنه القرآن ، حكاه الماوردي.
قوله تعالى : (وَما كانُوا) يعني المشركين (إِذاً مُنْظَرِينَ) أي عند نزول الملائكة إذا نزلت.
__________________
(١) البيت لأمية بن أبي الصلت كما في «اللسان» مادة «فرج». والفرجة : الراحة من حزن أو مرض.
(٢) سورة القلم : ٢.