(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (٩))
قوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ) ، من عادة الملوك إذا فعلوا شيئا ، قال أحدهم : نحن فعلنا ، يريد نفسه وأتباعه ، ثم صار هذا عادة للملك في خطابه ، وإن انفرد بفعل الشيء ، فخوطبت العرب بما تعقل من كلامها. والذّكر : القرآن ، في قول جميع المفسّرين. وفي هاء «له» قولان : أحدهما : أنها ترجع إلى الذّكر ، قاله الأكثرون. قال قتادة : أنزله الله ثم حفظه ، فلا يستطيع إبليس أن يزيد فيه باطلا ، ولا ينقص منه حقّا. والثّاني : أنها ترجع إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فالمعنى : (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) من الشّياطين والأعداء ، لقولهم : «إنك لمجنون» ، هذا قول ابن السّائب ، ومقاتل.
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (١٠))
قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ) يعني : رسلا ، فحذف المفعول ، لدلالة الإرسال عليه. والشيع : الفرق ، وحكي عن الفرّاء أنه قال : الشّيعة : الأمّة المتابعة بعضها بعضا فيما يجتمعون عليه من أمر.
(وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (١١))
قوله تعالى : (وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) هذا تعزية للنبيّ صلىاللهعليهوسلم ، والمعنى : إنّ كلّ نبيّ قبلك كان مبتلى بقومه كما ابتليت.
(كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (١٢) لا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (١٣))
قوله تعالى : (كَذلِكَ نَسْلُكُهُ) في المشار إليه ثلاثة أقوال : أحدها : أنه الشّرك ، قاله ابن عباس ، والحسن ، وابن زيد. والثاني : أنه الاستهزاء ، قاله قتادة. والثالث : التّكذيب ، قاله ابن جريج ، والفرّاء. ومعنى الآية : كما سلكنا الكفر في قلوب شيع الأوّلين ، ندخل في قلوب هؤلاء التّكذيب فلا يؤمنوا. ثم أخبر عن هؤلاء المشركين ، فقال تعالى : (لا يُؤْمِنُونَ بِهِ). وفي المشار إليه ثلاثة أقوال : أحدها : أنه الرسول. والثاني : القرآن. والثالث : العذاب.
قوله تعالى : (وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) فيه قولان : أحدهما : مضت سنّة الله في إهلاك المكذّبين. والثاني : مضت سنّتهم بتكذيب الأنبياء.
(وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (١٤) لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (١٥))
قوله تعالى : (وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ) يعني : كفّار مكّة (فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ) أي : يصعدون ، يقال : ظلّ يفعل كذا : إذا فعله بالنّهار. وفي المشار إليهم بهذا الصّعود قولان : أحدهما : أنهم الملائكة ، قاله ابن عباس ، والضّحّاك ، فالمعنى : لو كشف عن أبصار هؤلاء فرأوا بابا مفتوحا في السماء والملائكة تصعد فيه ، لما آمنوا به. والثاني : أنهم المشركون ، قاله الحسن ، وقتادة ، فيكون المعنى : لو وصّلناهم إلى صعود السماء لم يستشعروا إلّا الكفر ، لعنادهم.