(٨٤٢) أحدها : «أنه إذا اجتمع أهل النار في النار ومعهم من شاء الله من أهل القبلة ، قال الكفّار للمسلمين : ألم تكونوا مسلمين؟ قالوا : بلى ، قالوا : فما أغنى عنكم إسلامكم وقد صرتم معنا في النار؟ قالوا : كانت لنا ذنوب فأخذنا بها ؛ فسمع الله ما قالوا ، فأمر بمن كان في النار من أهل القبلة فأخرجوا ، فلمّا رأى ذلك الكفار ، قالوا : يا ليتنا كنّا مسلمين فنخرج كما أخرجوا» رواه أبو موسى الأشعريّ عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وذهب إليه ابن عباس في رواية وأنس بن مالك ، ومجاهد ، وعطاء ، وأبو العالية ، وإبراهيم. والثاني : أنه ما يزال الله يرحم ويشفّع حتى يقول : من كان من المسلمين فليدخل الجنّة ، فذلك حين يودّ الذين كفروا لو كانوا مسلمين ، رواه مجاهد عن ابن عباس. والثالث : أنّ الكفار إذا عاينوا القيامة ، ودّوا لو كانوا مسلمين ، ذكره الزّجّاج. والرابع : أنه كلّما رأى أهل الكفر حالا من أحوال القيامة يعذّب فيها الكافر ويسلم من مكروهها المؤمن ، ودّوا ذلك ، ذكره ابن الأنباري.
والقول الثاني : أنه في الدنيا ، إذا عاينوا وتبيّن لهم الضّلال من الهدى وعلموا مصيرهم ، ودّوا ذلك ، قاله الضّحّاك.
فإن قيل : إذا قلتم : إنّ «ربّ» للتّقليل ، وهذه الآية خارجة مخرج الوعيد ، فإنّما يناسب الوعيد تكثير ما يتواعد به؟ فعنه ثلاثة أجوبة ذكرها ابن الأنباري : أحدها : أنّ «ربما» تقع على التّقليل والتّكثير ، كما يقع النّاهل على العطشان والرّيّان ، والجون على الأسود والأبيض. والثاني : أنّ أهوال القيامة وما يقع بهم من الأهوال تكثر عليهم ، فإذا عادت إليهم عقولهم ، ودّوا ذلك. والثالث : أنّ هذا الذي خوّفوا به ، لو كان مما يودّ في حال واحدة من أحوال العذاب ، أو كان الإنسان يخاف النّدم إذا حصل فيه ولا يتيقّنه ، لوجب عليه اجتنابه.
فإن قيل : كيف جاء بعد «ربما» مستقبل ، وسبيلها أن يأتي بعدها الماضي ، تقول : ربما لقيت عبد الله؟ فالجواب : أنّ ما وعد الله حقّ ، فمستقبله بمنزلة الماضي ، يدلّ عليه قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ) (١) وقوله : (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ) (٢) (وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ) (٣) ، على أنّ الكسائيّ
____________________________________
(٨٤٢) حسن. أخرجه ابن أبي عاصم في «السنة» ٨٤٣ والطبراني كما في «تفسير ابن كثير» ٢ / ٦٧٤ والحاكم ٢ / ٢٤٢ والبيهقي في «البعث والنشور» ٨٥ من طريق خالد بن نافع الأشعري عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى مرفوعا. وأخرجه الطبري ٢١٠٠٥ من طريق خالد بن نافع بالإسناد المذكور عن أبي موسى الأشعري قال : بلغنا أنه إذا كان يوم القيامة ... فذكره ثم قال في عجزه : «ثم قرأ رسول الله صلىاللهعليهوسلم (الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ ...)». وصححه الحاكم! ووافقه الذهبي؟ ومداره على خالد بن نافع قال الحافظ في «لسان الميزان» : ضعفه أبو زرعة والنسائي ، وهو من أولاد أبي موسى وقال أبو حاتم : ليس بقوي يكتب حديثه.
وقال أبو داود : متروك. وهذا تجاوز في الحد فإن الرجل قد حدّث عنه أحمد بن حنبل ومسدد ، فلا يستحق الترك ا ه. وله شاهد من حديث جابر : أخرجه النسائي في «التفسير» ٢٩١ والطبراني في «الأوسط» ٥١٤٢.
وإسناده حسن فيه محمد بن عباد بن الزبرقان ، وهو صدوق يهم كما في «التقريب». وله شاهد آخر من حديث أنس : أخرجه ابن أبي عاصم في «السنة» ٨٤٤ وإسناده منقطع فيه أبو الخطاب حرب بن ميمون الراوي عن أنس لا يعرف له رواية عن أحد من الصحابة. الخلاصة : هو حديث حسن بطرقه وشواهده.
__________________
(١) سورة المائدة : ١١٦.
(٢) سورة الأعراف : ٤٤.
(٣) سورة سبأ : ٥١.