خشبتك ، فصوّبها ، فانقضّت النّسور تريد اللحم ، فسمعت الجبال هدّتها ، فكادت تزول عن مراتبها (١). هذا قول عليّ بن أبي طالب عليهالسلام. وفي رواية عنه : كانت النّسور أربعة. وروى السّدّيّ عن أشياخه : أنه ما زال يصعد إلى أن رأى الأرض يحيط بها بحر ، فكأنّها فلكة في ماء ، ثم صعد حتى وقع في ظلمة ، فلم ير ما فوقه ولم ير ما تحته ، ففزع ، فصوّب اللحم ، فانقضّت النّسور ، فلمّا نزل أخذ في بناء الصّرح. وروي عن ابن عباس أنه بنى الصّرح ، ثم صعد منه مع النّسور ، فلمّا لم يقدر على السماء ، اتّخذه حصنا ، فأتى الله بنيانه من القواعد. وقال عكرمة : كان معه في التّابوت غلام قد حمل القوس والنّشّاب ، فرمى بسهم فعاد إليه ملطّخا بالدّم ، فقال : كفيت إله السماء ، وذلك من دم سمكة في بحر معلّق في الهواء ، فلمّا هاله الارتفاع ، قال لصاحبه : صوّب الخشبة ، فصوّبها ، فانحطت النّسور ، فظنّت الجبال أنه أمر نزل من السماء فزالت عن مواضعها. وقال غيره : لمّا رأت الجبال ذلك ، ظنّت أنه قيام السّاعة ، فكادت تزول ، وإلى هذا المعنى ذهب سعيد بن جبير ، وأبو مالك.
والقول الثاني : أنه بخت نصّر ، وأنّ هذه القصة له جرت ، وأنّ النسور لمّا ارتفعت تطلب اللحم إلى حيث شاء الله ، نودي : يا أيّها الطّاغية ، أين تريد؟ ففرق ، ثم سمع الصوت فوقه ، فنزل ، فلمّا رأت الجبال ذلك ، ظنّت أنه قيام الساعة فكادت تزول ، وهذا قول مجاهد.
والثالث : أنّ المشار إليهم الأمم المتقدّمة. قال ابن عباس : وعكرمة : مكرهم : شركهم.
والرابع : أنهم الذين مكروا برسول الله صلىاللهعليهوسلم حين همّوا بقتله وإخراجه.
وفي قوله تعالى : (وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ) قولان : أحدهما : أنه محفوظ عنده حتى يجازيهم به ، قاله الحسن ، وقتادة. والثاني : وعند الله جزاء مكرهم.
قوله تعالى : (وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ) وقرأ أبو بكر ، وعمر ، وعليّ ، وابن مسعود ، وأبيّ ، وابن عباس ، وعكرمة ، وأبو العالية : «وإن كاد مكرهم» بالدال ، (لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ) وقرأ الأكثرون «لتزول» بكسر اللام الأولى من «لتزول» وفتح الثانية. أراد : وما كان مكرهم لتزول منه الجبال ، أي : هو أضعف وأوهن ، كذلك فسّرها الحسن البصريّ. وقرأ الكسائيّ «لتزول» بفتح اللام الأولى وضمّ الثانية ، أراد : قد كادت الجبال تزول من مكرهم ، كذلك فسّرها ابن الأنباري. وفي المراد بالجبال قولان : أحدهما : أنها الجبال المعروفة ، قاله الجمهور. والثاني : أنها ضربت مثلا لأمر النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وثبوت دينه كثبوت الجبال الرّاسية ، والمعنى : لو بلغ كيدهم إلى إزالة الجبال ، لما زال أمر الإسلام ، قاله الزّجّاج. قال أبو عليّ : ويدلّ على صحّة هذا قوله عزوجل : (فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ) أي : فقد وعدك الظهور عليهم ، قال ابن عباس : يريد بوعده : النّصر والفتح وإظهار الدّين. (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ) أي : منيع (ذُو انتِقامٍ) من الكافرين ، وهو أن يجازيهم بالعقوبة على كفرهم.
(يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (٤٨))
قوله تعالى : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ) وروى أبان «يوم نبدّل» بالنون وكسر الدال «الأرض»
__________________
(١) لا يصح هذا وأمثاله عن علي ، وإنما مصدر هذه الأخبار كتب الإسرائيليات ، وظاهر الآيات يدل على أن المراد بذلك أعداء الرسل في كل قوم ، والله أعلم.