ابن عباس ، وبه قال ابن مسعود ، وأنس بن مالك ، ومجاهد ، وعكرمة ، والضّحّاك في آخرين.
والثاني : أنها شجرة في الجنّة ، رواه أبو ظبيان عن ابن عباس. والثالث : أنها المؤمن ، وأصله الثّابت أنه يعمل في الأرض ويبلغ عمله السماء. وقوله عزوجل : (تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ) فالمؤمن يذكر الله كلّ ساعة من النهار ، ورواه عطيّة عن ابن عباس.
قوله تعالى : (أَصْلُها ثابِتٌ) أي : في الأرض ، (وَفَرْعُها) أعلاها عال (فِي السَّماءِ) أي : نحو السّماء ، وأكلها : ثمرها.
وفي الحين ها هنا ستة أقوال (١) : أحدها : أنه ثمانية أشهر ، قاله عليّ عليهالسلام. والثاني : ستة أشهر ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، وعكرمة ، وقتادة. والثالث : أنه بكرة وعشيّة ، رواه أبو ظبيان عن ابن عباس. والرابع : أنه السّنة ، روي عن ابن عباس أيضا ، وبه قال مجاهد ، وابن زيد. والخامس : أنه شهران ، قاله سعيد بن المسيّب. والسادس : أنه غدوة وعشيّة وكلّ ساعة ، قاله ابن جرير. فمن قال : ثمانية أشهر ، أشار إلى مدّة حملها باطنا وظاهرا ، ومن قال : ستة أشهر ، فهي مدّة حملها إلى حين صرامها ، ومن قال : بكرة وعشيّة ، أشار إلى الاجتناء منها ، ومن قال : سنة ، أشار إلى أنها لا تحمل في السّنة إلّا مرّة ، ومن قال : شهران ، فهو مدّة صلاحها. قال ابن المسيّب : لا يكون في النّخلة أكلها إلّا شهرين. ومن قال : كلّ ساعة ، أشار إلى أنّ ثمرتها تؤكل دائما. قال قتادة : تؤكل ثمرتها في الشتاء والصّيف. وقال ابن جرير : الطّلع في الشتاء من أكلها ، والبلح والبسر والرّطب والتّمر في الصّيف.
فأمّا الحكمة في تمثيل الإيمان بالنّخلة ، فمن أوجه : أحدها : أنها شديدة الثّبوت ، فشبّه ثبات الإيمان في قلب المؤمن بثباتها. والثاني : أنها شديدة الارتفاع ، فشبّه ارتفاع عمل المؤمن بارتفاع فروعها. والثالث : أنّ ثمرتها تأتي في كلّ حين ، فشبّه ما يكسب المؤمن من بركة الإيمان وثوابه في كلّ وقت بثمرتها المجتناة في كلّ حين على اختلاف صنوفها ، فالمؤمن كلّما قال : لا إله إلّا الله ، صعدت إلى السماء ، ثم جاءه خيرها ومنفعتها. والرابع : أنها أشبه الشّجر بالإنسان ، فإنّ كلّ شجرة يقطع رأسها تتشعّب غصونها من جوانبها ، إلّا هي ، إذا قطع رأسها يبست ، ولأنها لا تحمل حتى تلقّح ، ولأنها فضلة تربة آدم عليهالسلام فيما يروى (٢).
__________________
(١) قال الإمام الطبري رحمهالله ٧ / ٤٤٣ : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : عنى بالحين في ذلك الموضع غدوة وعشية كل ساعة ، لأن الله تعالى ذكره ، ضرب ما تؤتي هذه الشجرة كل حين من الأكل لعمل المؤمن وكلامه مثلا ، ولا شك أن المؤمن يرفع له إلى الله في كل يوم صالح من العمل والقول لا في كل سنة أو في كل ستة أشهر أو في كل شهرين فإذا كان ذلك كذلك فلا شك أن المثل لا يكون خلافا للممثّل به في المعنى ، وإذا كان ذلك كذلك كان بينا صحة ما قلنا. فإن قال قائل : فأي نخلة تؤتي أكلها في كل وقت أكلا صيفا أو شتاء؟ قيل : أما في الشتاء فإن الطلع من أكلها ، وأما في الصيف فالبلح والبسر والرّطب والتمر. وذلك كله من أكلها.
(٢) يشير المصنف لحديث علي رضي الله عنه ، ولفظه : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أكرموا عمتكم النخلة فإنها خلقت من فضلة طينة آدم ، وليس من الشجر شجرة أكرم على الله من شجرة ولدت تحتها مريم بنت عمران ، فأطعموا نساءكم الولّد الرطب فإن لم يكن رطبا فتمرا». وهو ضعيف جدا. أخرجه أبو يعلى ٤٥٥ ، وابن حبان في