قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ) قال ابن عباس : بسطها على الماء. وقوله تعالى : (وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ) قال الزّجّاج : أي جبالا ثوابت ، يقال : رسا الشيء يرسو رسوّا ، فهو راس : إذا ثبت. (جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) أي : نوعين : والزّوج : الواحد الذي له قرين من جنسه. قال المفسّرون : ويعني بالزّوجين : الحلو والحامض ، والعذب والملح ، والأبيض والأسود.
قوله تعالى : (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ) قد شرحناه في سورة الأعراف (١).
(وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٤))
قوله تعالى : (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ) فيها قولان :
أحدهما : أنها الأرض السّبخة ، والأرض العذبة ، تنبت هذه ، وهذه إلى جنبها لا تنبت ، هذا قول ابن عباس ، وأبي العالية ، ومجاهد ، والضّحّاك.
والثاني : أنها القرى المتجاورات ، قاله قتادة ، وابن قتيبة ، وهو يرجع إلى معنى الأوّل (٢).
قوله تعالى : (وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ) قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحفص عن عاصم : (وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ) رفعا في الكلّ. وقرأ نافع ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائيّ ، وأبو بكر عن عاصم : «وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان» خفضا في الكلّ. قال أبو عليّ : من رفع ، فالمعنى : وفي الأرض قطع متجاورات وجنّات ، وفي الأرض زرع ، ومن خفض حمله على الأعناب ، فالمعنى : جنّات من أعناب ، ومن زرع ، ومن نخيل (٣).
قوله تعالى : (صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ) هذا من صفة النّخيل. قال الزّجّاج : الصّنوان : جمع صنو وصنو ، ومعناه : أن يكون الأصل واحدا وفيه النّخلتان والثّلاث والأربع. وكذلك قال المفسّرون : الصّنوان : النّخل المجتمع وأصله واحد ، وغير صنوان : المتفرّق. وقرأ أبو رزين ، وأبو عبد الرّحمن السّلمي ، وابن جبير ، وقتادة : «صنوان» بضم الصاد. قال الفرّاء : لغة أهل الحجاز «صنوان» بكسر الصاد ، وتميم وقيس يضمّون الصاد.
قوله تعالى : (يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، «تسقى» بالتاء ، «ونفضّل»
__________________
(١) في سورة الأعراف : ٥٤.
(٢) قال الطبري رحمهالله ٧ / ٣٣١ : في الأرض قطع منها متقاربات متدانيات ، يقرب بعضها من بعض بالجوار وتختلف بالتفاضل مع تجاورها ، فمنها قطعة سبخة لا تنبت شيئا ، في جوار قطعة طيبة تنبت وتنفع.
وقال ابن كثير رحمهالله ٢ / ٦١٦ : كذلك ، أي : أراض يجاور بعضها بعضا ، مع أن هذه طيبة تنبت ما ينتفع به الناس ، وهذه سبخة مالحة لا تنبت شيئا. وكذا يدخل في هذه الآية اختلاف ألوان بقاع الأرض ، فهذه تربة حمراء ، وهذه بيضاء ، وهذه صفراء ، وهذه سوداء وهذه محجرة وهذه سهلة.
(٣) قال الإمام الطبري ٧ / ٣٣٣ : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إنهما قراءتان متقاربتا المعنى ، وقرأ بكل واحدة منهما قراء مشهورون ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب ، وذلك أن «الزرع والنخيل» إذا كانا في البساتين فهما في الأرض ، وإذا كانا في الأرض فالأرض التي هما فيها جنة فسواء وصفا بأنهما في بستان أو في أرض.