أبو الضّحى عنه. والثاني : أنا الله أرى ، رواه سعيد بن جبير عنه. والثالث : أنا الله الملك الرّحمن ، رواه عطاء عنه. قوله تعالى : (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ) في «تلك» قولان ، وفي «الكتاب» قولان قد تقدّمت في أوّل «يونس» (١).
قوله تعالى : (وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُ) يعني : القرآن وغيره من الوحي (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) قال ابن عباس : يعني : أهل مكّة. قال الزّجّاج : لمّا ذكر أنهم لا يؤمنون ، عرّف الدّليل الذي يوجب التّصديق بالخالق فقال عزوجل : (اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ) قال أبو عبيدة : العمد : متحرّك الحروف بالفتحة وبعضهم يحرّكها بالضمة ، لأنها جمع عمود ، وهو القياس ، لأنّ كلّ كلمة هجاؤها أربعة أحرف الثالث منها ألف أو ياء أو واو ، فجميعه مضموم الحروف ، نحو رسول ، والجمع : رسل ، وحمار ، والجمع : حمر ، غير أنه قد جاءت أسامي استعملوا جميعها بالحركة والفتحة ، نحو عمود ، وأديم ، وإهاب ، قالوا : أدم ، وأهب. ومعنى «عمد» : سوار ، ودعائم ، وما يعمد البناء. وقرأ أبو حياة : «بغير عمد» بضمّ العين والميم.
وفي قوله تعالى : (تَرَوْنَها) قولان : أحدهما : أنّ هاء الكناية ترجع إلى السّماوات ، فالمعنى : ترونها بغير عمد ، قاله أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، وقتادة ، والجمهور. وقال ابن الأنباري : «ترونها» خبر مستأنف ، والمعنى : رفع السّماوات بلا دعامة تمسكها ، ثم قال : «ترونها» أي : ما تشاهدون من هذا الأمر العظيم ، يغنيكم عن إقامة الدّلائل عليه. والثاني : أنها ترجع إلى العمد ، فالمعنى : إنها بعمد لا ترونها ، رواه عطاء والضّحّاك عن ابن عباس ، وقال : لها عمد على قاف ، ولكنّكم لا ترون العمد ، وإلى هذا القول ذهب مجاهد ، وعكرمة ، والأول أصحّ (٢). قوله تعالى : (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) أي : ذلّلهما لما يراد منهما (كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى) أي : إلى وقت معلوم ، وهو فناء الدنيا. (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) أي : يصرّفه بحكمته. (يُفَصِّلُ الْآياتِ) أي : يبيّن الآيات التي تدلّ أنّه قادر على البعث لكي توقنوا بذلك. وقرأ أبو رزين ، وقتادة ، والنّخعيّ : «ندبّر الأمر نفصّل الآيات» بالنون فيهما.
(وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٣))
__________________
(١) قال الطبري رحمهالله ٧ / ٣٢٦ ـ ٣٢٧ : (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ) : تلك التي قصصت عليك خبرها ، آيات الكتاب الذي أنزلته قبل هذا الكتاب الذي أنزلته إليك إلى من أنزلته إليه من رسلي قبلك. وقيل : عني بذلك التوراة والإنجيل. وقال ابن كثير رحمهالله ٢ / ٦١٤ : (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ) أي : هذه آيات الكتاب وهو القرآن ، وقيل التوراة والإنجيل .. وفيه نظر ، بل هو بعيد.
(٢) قال الإمام الطبري رحمهالله ٧ / ٣٢٩ : وأولى الأقوال في ذلك بالصحة أن يقال كما قال الله تعالى : (اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها) فهي مرفوعة بغير عمد نراها ، كما قال ربنا جل ثناؤه ، ولا خبر بغير ذلك ولا حجة يجب التسليم بها بقول سواه. وقال الحافظ ابن كثير ٢ / ٦١٥ : ناقلا قول إياس بن معاوية : السماء على الأرض مثل القبة ، يعني بلا عمد وكذا روي عن قتادة ، وهذا هو اللائق بالسياق ، والظاهر من قوله تعالى : (وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ) ، فعلى هذا يكون قوله (تَرَوْنَها) تأكيدا لنفي ذلك ، أي هي مرفوعة بغير عمد ترونها ، وهذا هو الأكمل في القدرة.