له الأرضون السّبع ، حتى نظر إلى الصّخرة التي عليها الأرضون.
قوله تعالى : (وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) هذا عطف على المعنى ، لأن معنى الآية : نريه ملكوت السّماوات والأرض ليستدلّ به ، وليكون من الموقنين. وفي ما يوقن به ثلاثة أقوال : أحدها : وحدانيّة الله وقدرته. والثاني : نبوّته ورسالته. والثالث : ليكون موقنا بعلم كلّ شيء حسّا ، لا خبرا.
(فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (٧٦))
قوله تعالى : (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ) قال الزّجّاج : يقال : جنّ عليه الليل ، وأجنّه الليل : إذا أظلم ، حتى يستر بظلمته ؛ ويقال لكل ما ستر : جنّ ، وأجنّ ، والاختيار أن يقال : جنّ عليه الليل ، وأجنّه الليل.
الإشارة إلى بذء قصة إبراهيم عليهالسلام : روى أبو صالح عن ابن عباس قال : ولد إبراهيم في زمن نمروذ ، وكان لنمروذ كهّان ، فقالوا له : يولد في هذه السنة مولود يفسد آلهة أهل الأرض ، ويدعوهم إلى غير دينهم ، ويكون هلاك أهل بيتك على يديه ، فعزل النّساء عن الرجال ، ودخل آزر إلى بيته ، فوقع على زوجته ، فحملت ، فقال الكهّان لنمروذ : إنّ الغلام قد حمل به الليلة. فقال : كلّ من ولدت غلاما فاقتلوه. فلمّا أخذ أمّ إبراهيم المخاض ، خرجت هاربة ، فوضعته في نهر يابس ، ولفّته في خرقة ، ثم وضعته في حلفاء ، وأخبرت به أباه ، فأتاه ، فحفر له سربا ، وسدّ عليه بصخرة ، وكانت أمّه تختلف إليه فترضعه ، حتى شبّ وتكلّم ، فقال لأمّه : من ربّي؟ فقالت : أنا. قال : فمن ربّك؟ قالت : أبوك. قال : فمن ربّ أبي؟ قالت : أسكت. فسكت ، فرجعت إلى زوجها ، فقالت : إنّ الغلام الذي كنّا نتحدث أنه يغيّر دين أهل الأرض ، ابنك. فأتاه ، فقال له مثل ذلك. فلما جنّ عليه الليل ، دنا من باب السّرب ، فنظر فرأى كوكبا. قرأ ابن كثير ، وحفص عن عاصم «رأى» ، بفتح الراء والهمزة ؛ وقرأ أبو عمرو : «رإى» ؛ بفتح الراء وكسر الهمزة ، وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، والكسائيّ ، وأبو بكر عن عاصم. «رإى» ، بكسر الراء والهمزة ، واختلفوا فيها إذا لقيها ساكن ، وهو آت في ستة مواضع : (رَأَى الْقَمَرَ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ) وفي النّحل (وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا) (١) وفي الكهف : (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ) (٢) ، وفي الأحزاب : (وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ) (٣). وقرأ أبو بكر عن عاصم ، وحمزة إلّا العبسيّ ، وخلف في اختياره : بكسر الراء وفتح الهمزة في الكلّ ، وروى العبسيّ كسرة الهمزة أيضا ، وقرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو : وابن عامر ، والكسائيّ : بفتح الراء والهمزة. فإن اتّصل ذلك بمكنيّ ، نحو : رآك ، ورآه ، ورآها ؛ فإنّ حمزة ، والكسائيّ ، وخلف ، والوليد عن ابن عامر ، والمفضّل ، وأبان ، والقزّاز عن عبد الوارث ، والكسائيّ عن أبي بكر : يكسرون الراء ، ويميلون الهمزة.
وفي الكوكب الذي رآه قولان : أحدهما : أنه الزّهرة ، قاله ابن عباس ، وقتادة. والثاني : المشتري ، قاله مجاهد ، والسّدّيّ.
قوله تعالى : (قالَ هذا رَبِّي) فيه ثلاثة أقوال :
أحدها : أنه على ظاهره. روى عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس : قال هذا ربي ، فعبده حتى
__________________
(١) سورة النحل : ٨٥ و ٨٦.
(٢) سورة الكهف : ٥٣.
(٣) سورة الأحزاب : ٢٢.