التّهديد ، كقوله تعالى : (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) (١). فعلى هذا هو محكم ، وإلى هذا المعنى ذهب مجاهد. والثاني : أنه اقتضى المسامحة لهم والإعراض عنهم ، ثم نسخ بآية السيف ؛ وإلى هذا ذهب قتادة ، والسّدّيّ.
قوله تعالى : (وَذَكِّرْ بِهِ) أي : عظ بالقرآن. وفي قوله : (أَنْ تُبْسَلَ) قولان : أحدهما : لئلّا تبسل نفس ، كقوله تعالى : (أَنْ تَضِلُّوا) (٢). والثاني : ذكّرهم إبسال المبسلين بجناياتهم لعلّهم يخافون. وفي معنى «تبسل» سبعة أقوال : أحدها : تسلم ، رواه عكرمة عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، ومجاهد ، والسّدّيّ. وقال ابن قتيبة : تسلم إلى الهلكة. قال الشاعر :
وإبسالي بنيّ بغير جرم |
|
بعوناه ولا بدم مراق (٣) |
أي : بغير جرم أجرمناه ؛ والبعو : الجناية. وقال الزّجّاج : تسلم بعملها غير قادرة على التّخلّص. والمستبسل : المستسلم الذي لا يعلم أنه يقدر على التّخلص. والثاني : تفضح ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. والثالث : تدفع ، رواه الضّحّاك عن ابن عباس. والرابع : تهلك ، روي عن ابن عباس أيضا. والخامس : تحبس وتؤخذ ، قاله قتادة ، وابن زيد. والسادس : تجزى ، قاله ابن السّائب ، والكسائيّ. والسابع : ترتهن ، قاله الفرّاء. وقال أبو عبيدة : ترتهن وتسلم ؛ وأنشد :
هنالك لا أرجو حياة تسرّني |
|
سمير اللّيالي مبسلا بالجرائر (٤) |
سمير الليالي : أبد الليالي. فأمّا الوليّ : فهو النّاصر الذي يمنعها من عذاب الله. والعدل : الفداء. قال ابن زيد : وإن تفتد كلّ فداء لا يقبل منها. فأمّا الحميم ، فهو الماء الحارّ. قال ابن قتيبة : ومنه سمّي الحمّام.
(قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (٧١) وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٧٢))
قوله تعالى : (قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ) أي ؛ أنعبد ما لا يضرّنا إن لم نعبده ، ولا ينفعنا إن عبدناه ، وهي الأصنام. (وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا) أي : نرجع إلى الكفر (بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللهُ) إلى الإسلام ، فنكون (كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ). وقرأ حمزة : «استهواه الشّياطين» ، على قياس قراءته : «توفّاه رسلنا». وفي معنى «استهوائها» قولان : أحدهما : أنها هوت به وذهبت ، قاله ابن قتيبة. وقال أبو عبيدة : تشبّه له الشّياطين ، فيتبعها حتى تهوي به في الأرض ، فتضلّه. والثاني : زيّنت له هواه ، قاله الزّجّاج. قال : و «حيران» منصوب على الحال ، أي : استهوته في حال حيرته. قال السّدّيّ : قال المشركون للمسلمين :
__________________
(١) سورة المدثر : ١١.
(٢) سورة النساء : ١٧٦.
(٣) البيت لعوف بن الأحوص الكلابي «مجاز القرآن» ١ / ١٩٤ و «اللسان» بسل.
(٤) البيت للشنفرى وهو شاعر جاهلي من صعاليك العرب وفتاكهم «مجاز القرآن» ١ / ١٩٥ ، «اللسان» بسل.
قوله : سمير الليالي ويروى «سجيس الليالي». وهما بمعنى : ومعنى «مبسلا بالجرائر» : أنه أسلم إلى عدوه بما جنى عليهم.