فمنعناهم ، لم نستطع أن نجلس في المسجد الحرام ولا أن نطوف بالبيت ، فنزلت هذه الآية.
(٥٣١) والثاني : أنّ المسلمين قالوا : إنّا نخاف الإثم إن لم ننههم عن الخوض ، فنزلت هذه الآية.
(٥٣٢) والثالث : أنّ المسلمين قالوا : لو قمنا عنهم إذا خاضوا ، فإنّا نخشى الإثم في مجالستهم ، فنزلت هذه الآية. هذا عن مقاتل ، والأوّلان عن ابن عباس.
قوله تعالى : (وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ) فيه قولان : أحدهما : يتّقون الشّرك. والثاني : يتّقون الخوض. قوله تعالى : (مِنْ حِسابِهِمْ) يعني : حساب الخائضين. وفي «حسابهم» قولان : أحدهما : أنه كفرهم وآثامهم. والثاني : عقوبة خوضهم.
قوله تعالى : (وَلكِنْ ذِكْرى) أي : ولكن عليكم أن تذكّروهم ، وفيما تذكّرونهم به ، قولان : أحدهما : المواعظ. والثاني : قيامكم عنهم. قال مقاتل : إذا قمتم عنهم ، منعهم من الخوض الحياء منكم ، والرّغبة في مجالستكم. قوله تعالى : (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) فيه قولان : أحدهما : يتّقون الاستهزاء.
والثاني : يتّقون الوعيد.
فصل : وقد ذهب قوم إلى أنّ هذه الآية منسوخة ، لأنّها اقتضت جواز مجالسة الخائضين والاقتصار على تذكيرهم ، ثم نسخت بقوله تعالى : (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ) (١). والصحيح أنها محكمة ، لأنها خبر ، وإنما دلّت على أنّ كلّ عبد يختصّ بحساب نفسه ، ولا يلزمه حساب غيره.
(وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (٧٠))
قوله تعالى : (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً) فيهم قولان : أحدهما : أنهم الكفّار. والثاني : اليهود والنّصارى. وفي اتّخاذهم دينهم لعبا ولهوا ، ثلاثة أقوال : أحدها : أنه استهزاؤهم بآيات الله إذا سمعوها. والثاني : أنهم دانوا بما اشتهوا ، كما يلهون بما يشتهون. والثالث : أنهم يحافظون على دينهم إذا اشتهوا ، كما يلهون إذا اشتهوا. قال الفرّاء : ويقال : إنه ليس من قوم إلا ولهم عيد ، فهم يلهون في أعيادهم ، إلّا أمّة محمّد صلىاللهعليهوسلم ، فإنّ أعيادهم صلاة وتكبير وبرّ وخير.
فصل : ولعلماء النّاسخ والمنسوخ في هذا القدر من الآية ، قولان : أحدهما : أنه خرج مخرج
____________________________________
(٥٣١) ذكره البغوي في «تفسيره» ٢ / ١٣٣ عن ابن عباس بدون إسناد ولم أقف على إسناده والظاهر أنه من رواية الكلبي أو الضحاك وكلاهما يروي عن ابن عباس تفسيرا واهيا.
(٥٣٢) عزاه المصنف لمقاتل ، وهو ممن يضع الحديث.
__________________
(١) سورة النساء : ١٤٠.