أحدها : أنه كان من جنس همّها ، ولو لا أنّ الله تعالى عصمه لفعل ، وإلى هذا المعنى ذهب الحسن ، وسعيد بن جبير ، والضّحّاك ، والسّدّيّ ، وهو قول عامّة المفسّرين المتقدّمين ، واختاره من المتأخّرين جماعة منهم ابن جرير ، وابن الأنباري. وقال ابن قتيبة : لا يجوز في اللغة : هممت بفلان ، وهمّ بي ، وأنت تريد اختلاف الهمّين. واحتجّ من نصر هذا القول بأنه مذهب الأكثرين من السّلف والعلماء الأكابر ، ويدلّ عليه ما سنذكره من أمر البرهان الذي رآه. قالوا : ورجوعه عمّا همّ به من ذلك خوفا من الله تعالى يمحو عنه سيّئ الهمّ ، ويوجب له علوّ المنازل.
(٨٠٧) ويدلّ على هذا الحديث الصّحيح عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أنّ ثلاثة خرجوا فلجؤوا إلى غار ، فانطبقت عليهم صخرة ، فقالوا : ليذكر كلّ واحد منكم أفضل عمله. فقال أحدهم : اللهمّ إنك تعلم أنه كانت لي بنت عمّ فراودتها عن نفسها فأبت إلّا بمائة دينار ، فلمّا أتيت بها وجلست منها مجلس الرّجل من المرأة أرعدت وقالت : إنّ هذا لعمل ما عملته قطّ ، فقمت عنها وأعطيتها المائة الدّينار ، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ، فزال ثلث الحجر». والحديث معروف ، وقد ذكرته في «الحدائق» ، فعلى هذا نقول : إنما همّت ، فترقّت همّتها إلى العزيمة ، فصارت مصرّة على الزّنا. فأمّا هو ، فعارضه ما يعارض البشر من خطرات القلب ، وحديث النّفس ، من غير عزم ، فلم يلزمه هذا الهمّ ذنبا ، فإنّ الرجل الصالح قد يخطر بقلبه وهو صائم شرب الماء البارد ، فإذا لم يشرب لم يؤاخذ بما هجس في نفسه.
(٨٠٨) وقد قال عليهالسلام : «عفي لأمّتي عمّا حدّثت به أنفسها ما لم تتكلّم أو تعمل».
(٨٠٩) وقال عليهالسلام : «هلك المصرّون» وليس الإصرار إلّا عزم القلب ، فقد فرّق بين حديث النّفس وعزم القلب. وسئل سفيان الثّوريّ : أيؤاخذ العبد بالهمّة؟ فقال : إذا كانت عزما.
____________________________________
(٨٠٧) صحيح. أخرجه البخاري ٢٢١٥ و ٢٢٣٣ و ٣٤٦٥ و ٥٩٧٤ ، ومسلم ٢٧٤٣ ، والطبراني في «الدعاء» ١٩٩ ، وابن حبان ٨٩٧ ، والبغوي في «شرح السنة» ٣٤٢٠ من طريق نافع عن ابن عمر مرفوعا بأتم منه.
ـ وأخرجه البخاري ٢٢٧٢ ومسلم ٢٧٤٣ وأحمد ٢ / ١١٦ من طريقين عن سالم ، عن ابن عمر به.
ـ وله شواهد منها : حديث أبي هريرة : أخرجه البزار ١٨٦٩ وابن حبان ٩٧٢ وإسناده حسن. وقال الهيثمي في «المجمع» ٨ / ١٤٢ و ١٤٣ : رواه البزار والطبراني في «الأوسط» بأسانيد ورجال البزار وأحد أسانيد الطبراني رجالهما رجال الصحيح. وحديث النعمان بن بشير : أخرجه أحمد ٢ / ١٤٢ والبزار ٣١٧٨ و ٣١٧٩ و ٣١٨٠.
وذكره الهيثمي في «المجمع» ٨ / ١٤٢ وقال : ورجال أحمد ثقات. وحديث أنس : أخرجه أحمد ٣ / ١٤٢ و ١٤٣ والبزار ١٨٦٨ والطبراني في «الدعاء» ٢٠٠. وقال الهيثمي في «المجمع» ٨ / ١٤٠ : رواه أحمد مرفوعا ، ورواه أبو يعلى ورجالهما رجال الصحيح. فهذا حديث مشهور.
(٨٠٨) صحيح. أخرجه البخاري ٢٥٢٨ و ٥٢٦٩ و ٦٦٦٤ ومسلم ١٢٧ وأبو داود ٢٢٠٩ والترمذي ١١٨٣ والنسائي ٦ / ١٥٦ و ١٥٧ وابن ماجة ٢٠٤٤ والبيهقي ٧ / ٢٩٨ والطيالسي ٢٤٥٩ وابن حبان ٤٣٣٤ من طرق عن قتادة ، عن زرارة بن أوفى عن أبي هريرة به.
(٨٠٩) حسن. أخرجه أحمد ٢ / ١٦٥ ـ ٢١٩ والبيهقي في «الشعب» ٧٢٣٦ من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص في أثناء حديث ، وإسناده حسن ، وجوّده المنذري في «الترغيب» ٣٦٢٨. وقال الهيثمي في «المجمع» ١٠ / ١٩٠ ـ ١٩١ : رجال أحمد رجال الصحيح غير حبان بن زيد ، ووثقه ابن حبان. قلت : وقال عنه الحافظ في «التقريب» : ثقة.