إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

زاد المسير في علم التفسير [ ج ٢ ]

زاد المسير في علم التفسير [ ج ٢ ]

427/595
*

أن يكون «إنه ربي» يعني الله عزوجل «أحسن مثواي» أي : تولّاني في طول مقامي.

قوله تعالى : (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) أي : إن فعلت هذا فخنته في أهله بعد ما أكرمني فأنا ظالم. وقيل : الظّالمون ها هنا : الزّناة.

(وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ (٢٤))

قوله تعالى : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ) الهمّ بالشيء في كلام العرب : حديث المرء نفسه بمواقعته ما لم يواقع. فأما همّ أزليخا ، فقال المفسّرون : دعته إلى نفسها واستلقت له. واختلفوا في همّه بها على خمسة أقوال (١) :

__________________

(١) وقال الإمام أبو حيان في «البحر المحيط» ٥ / ٢٩٤ / ٢٩٥ ما ملخصه : طوّل المفسرون في تفسير هذين الهمين ، ونسب بعضهم ليوسف ما لا يجوز نسبته لآحاد الفساق والذي أختاره : أن يوسف عليه‌السلام لم يقع منه هم بها البتة ، بل هو منفي لوجود رؤية البرهان كما تقول : لقد قارفت لو لا أن عصمك الله ، ولا تقول إن جواب لو لا متقدم عليها ، وإن كان لا يقوم دليل على امتناع ذلك ، بل صريح أدوات الشرط العامة مختلف في جواز تقديم أجوبتها عليها ، وقد ذهب إلى ذلك الكوفيون ، ومن أعلام البصريين أبو زيد الأنصاري وأبو العباس المبرد ، بل نقول : إن جواب (لو لا) محذوف لدلالة ما قبله عليه ، كما تقول : جمهور البصريين في قول العرب : أنت ظالم إن فعلت. فيقدرونه : إن فعلت فأنت ظالم ، ولا يدل قوله : أنت ظالم على ثبوت الظلم ، بل هو مثبت على تقدير وجود الفعل ، وكذلك هنا التقدير : لو لا أن رأى برهان ربه لهم بها ، فكان موجدا لهم على تقدير انتفاء رؤية البرهان ، لكنه وجد رؤية البرهان ، فانتفى الهم ، ولا التفات إلى قول الزجاج ، ولو كان الكلام : ولهمّ بها ، كان بعيدا ، فكيف مع سقوط اللام ، لأنه يوهم أن قوله : وهم بها هو جواب (لو لا) ونحن لم نقل بذلك ، وإنما هو دليل الجواب ، وعلى تقدير أن يكون نفس الجواب ، فاللام ليست بلازمة ، لجواز أن ما يأتي جواب (لو لا) إذا كان بصيغة الماضي باللام ، وبغير لام تقول : لو لا زيد لأكرمتك ، فمن ذهب إلى أن قوله (وهمّ بها) هو نفس الجواب لم يبعد ، ولا التفات إلى قول ابن عطية : إن قول من قال : إن الكلام قد تم في قوله (ولقد همت به) وإن جواب (لو لا) في قوله (وهم بها) ، وإن المعنى لو لا أن رأى البرهان لهم بها. فلم يهم يوسف عليه‌السلام قال : وهذا قول يرده لسان العرب وأقوال السلف.

أما قوله : يرده لسان العرب ، فليس كما ذكر ، وقد استدل من ذهب إلى جواز ذلك بوجوده في لسان العرب ، قال تعالى : (إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)  ـ  القصص : ١٠  ـ  فقوله : (إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ) إما أن يتخرج على أنه الجواب على ما ذهب إليه ذلك القائل وإما أن يتخرج على ما ذهبنا إليه من أنه دليل الجواب ، والتقدير : لو لا أن ربطنا على قلبها لكادت تبدي به ، وأما أقوال السلف فنعتقد أنه لا يصح عن أحد منهم شيء من ذلك ، لأنها أقوال متكاذبة ، يناقض بعضها بعضا. مع كونها قادحة في بعض فساق المسلمين ، فضلا عن المقطوع لهم بالعصمة ، والذي روي عن السلف لا يساعد عليه كلام العرب ، لأنهم قدروا جواب (لو لا) محذوفا ، ولا يدل عليه دليل ، لأنهم لم يقدروا : لهمّ بها ، ولا يدل كلام العرب إلا على أن يكون المحذوف من معنى ما قبل الشرط ، لأن ما قبل الشرط دليل عليه ، ولا يحذف الشيء لغير دليل عليه ، وقد طهرنا كتابنا هذا عن نقل ما في كتب التفسير مما لا يليق ذكره ، واقتصرنا على ما دل عليه لسان العرب ، ومساق الآيات التي في هذه السورة مما يدل على العصمة وبراءة يوسف عليه‌السلام من كل ما يشين ، ومن أراد أن يقف على ما نقل عن المفسرين في هذه الآية فليطالع ذلك في تفسير الزمخشري وابن عطية وغيرهما.