إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

زاد المسير في علم التفسير [ ج ٢ ]

زاد المسير في علم التفسير [ ج ٢ ]

426/595
*

(وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٢٣))

قوله تعالى : (وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ) أي : طلبت منه المواقعة ، وقد سبق اسمها. قال الزّجّاج : المعنى : راودته عمّا أرادته مما يريد النساء من الرجال (وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ) قرأ ابن كثير : «هيت لك» بفتح الهاء وتسكين الياء وضمّ التاء. وقرأ نافع ، وابن عامر : «هيت لك» بكسر الهاء وتسكين الياء وفتح التاء ، وهي مرويّة عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه. وروى الحلوانيّ عن هشام عن ابن عامر مثله ، إلّا أنه همزه. قال أبو عليّ الفارسيّ : هو خطأ. وروي عن ابن عامر : «هئت لك» بكسر الهاء وهمز الياء وضمّ التاء ، وهي قراءة ابن عباس ، وأبي الدّرداء ، وقتادة. قال الزّجّاج : هو من الهيئة ، كأنها قالت : تهيّأت لك. وعن ابن محيصن ، وطلحة بن مصرّف مثل قراءة ابن عباس ؛ إلّا أنّها بغير همز. وعن ابن محيصن بفتح الهاء وكسر التاء ، وهي قراءة أبي رزين ، وحميد. وعن الوليد بن عتبة بكسر الهاء والتاء مع الهمز ، وهي قراءة أبي العالية. وقرأ ابن خثيم مثله ، إلّا أنه لم يهمز. وعن الوليد بن مسلم عن نافع بكسر الهاء وفتح التاء مع الهمز. وقرأ ابن مسعود ، وابن السّميفع ، وابن يعمر ، والجحدريّ : «هيّئت لك» برفع الهاء والتاء وبياء مشدّدة مكسورة بعدها همزة ساكنة. وقرأ أبيّ بن كعب : «ها أنا لك». وقرأ الباقون بفتح الهاء والتاء بغير همز. قال الزّجّاج : وهو أجود اللغات ، وأكثرها في كلام العرب ، ومعناها : هلمّ لك ، أي : أقبل على ما أدعوك إليه ، وقال الشاعر :

أبلغ أمير المؤمنين أخا العراق إذا أتيتا

أنّ العراق وأهله عنق إليك فهيت هيتا (١)

أي : فأقبل وتعال. وقال ابن قتيبة : يقال : هيّت فلان لفلان : إذا دعاه وصاح به قال الشاعر :

قد رابني أن الكريّ أسكتا

لو كان معنيّا بها لهيّتا (٢)

أي : صار ذا سكوت. واختلف العلماء في قوله «هيت لك» بأي لغة هي ، على أربعة أقوال : أحدها : أنها عربية قاله مجاهد. وقال ابن الأنباري : وقد قيل : إنها من كلام قريش ، إلا أنها ممّا درس وقلّ في أفواههم آخرا ، فأتى الله به ، لأنّ أصله من كلامهم ، وهذه الكلمة لا مصدر لها ، ولا تصرّف ، ولا تثنية ، ولا جمع ، ولا تأنيث ، يقال للاثنين : هيت لكما ، وللجميع : هيت لكم ، وللنّسوة : هيت لكنّ. والثاني : أنها بالسّريانيّة ، قاله الحسن. والثالث : بالحورانيّة ، قاله عكرمة ، والكسائيّ. وقال الفرّاء : يقال : إنها لغة لأهل حوران ، سقطت إلى أهل مكّة فتكلّموا بها. والرابع : أنها بالقبطيّة ، قاله السّدّيّ.

قوله تعالى : (قالَ مَعاذَ اللهِ) قال الزّجّاج : هو مصدر ، والمعنى : أعوذ بالله أن أفعل هذا ، يقال : عذت عياذا ومعاذا ومعاذة. (إِنَّهُ رَبِّي) أي : إنّ العزيز صاحبي (أَحْسَنَ مَثْوايَ) ، قال : ويجوز

__________________

(١) البيت لأبي عمرو بن العلاء في «مجاز القرآن» ١ / ٣٠٠ ، و «تفسير الماوردي» ٣ / ٢٣ وذكره ابن منظور في «اللسان» ، مادة «عنق» ، ولم ينسبه لقائل.

وعنق : العنق الجماعة الكثيرة ، وجاء القوم عنقا أي طوائف ، أي إذا جاءوا فرقا ، كل جماعة منهم عنق.

(٢) في «اللسان» : الكريّ : من الكراء وهو أجر المستأجر ، والكري : الذي يكريك دابته أو هو المكتري.