يتخلّص من السّجن بذكر السّاقي ، فنسي السّاقي حتى لبث في السجن بضع سنين.
(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٢٢))
قوله تعالى : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ) قد ذكرنا معنى الأشدّ في سورة الأنعام (١) ، واختلف العلماء في المراد به ها هنا على ثمانية أقوال : أحدها : أنه ثلاث وثلاثون سنة ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس. وبه قال مجاهد ، وقتادة. والثاني : ثماني عشرة سنة ، قاله أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال عكرمة. والثالث : أربعون سنة ، قاله الحسن. والرابع : بلوغ الحلم ، قاله الشّعبيّ ، وربيعة ، وزيد بن أسلم ، وابنه. والخامس : عشرون سنة ، قاله الضّحّاك. والسادس : أنه من نحو سبع عشرة سنة إلى نحو الأربعين ، قاله الزّجّاج. والسابع : أنه بلوغ ثمان وثلاثين سنة ، حكاه ابن قتيبة. والثامن : ثلاثون سنة ، ذكره بعض المفسّرين (٢).
قوله تعالى : (آتَيْناهُ حُكْماً) فيه أربعة أقوال : أحدها : أنه الفقه والعقل ، قاله مجاهد. والثاني : النّبوّة ، قاله ابن السّائب. والثالث : أنه جعل حكيما ، قاله الزّجّاج ، قال : وليس كلّ عالم حكيما ، إنما الحكيم : العالم المستعمل علمه ، الممتنع به من استعمال ما يجهّل فيه. والرابع : أنه الإصابة في القول : ذكره الثّعلبيّ. قال اللغويون : الحكم عند العرب ما يصرف عن الجهل والخطأ ، ويمنع منهما ، ويردّ النّفس عما يشينها ويعود عليها بالضّرر ، ومنه : حكمة الدّابة. وأصل أحكمت في اللغة : منعت ، وسمّي الحاكم حاكما ، لأنه يمنع من الظّلم والزّيغ.
وفي المراد بالعلم ها هنا قولان : أحدهما : الفقه. والثاني : علم الرّؤيا.
قوله تعالى : (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) أي : ومثل ما وصفنا من تعليم يوسف وحراسته ، نثيب من أحسن عمله ، واجتنب المعاصي ، فننجّيه من الهلكة ، ونستنقذه من الضّلالة ونجعله من أهل العلم والحكمة كما فعلنا بيوسف.
وفي المراد بالمحسنين ها هنا ثلاثة أقوال : أحدها : الصّابرون على النّوائب. والثاني : المهتدون ، رويا عن ابن عباس. والثالث : المؤمنون. قال محمّد بن جرير : هذا ، وإن كان مخرّج ظاهره على كلّ محسن ، فالمراد به محمّد صلىاللهعليهوسلم ، والمعنى : كما فعلت بيوسف بعد ما لقي من البلاء فمكّنته في الأرض وآتيته العلم ، كذلك أفعل بك وأنجّيك من مشركي قومك (٣).
__________________
(١) في الآية : ١٥٢.
(٢) قال الطبري رحمهالله ٧ / ١٧٥ : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله تعالى أخبر أنه آتى يوسف لما بلغ أشده حكما وعلما و «الأشدّ» هو انتهاء قوته وشبابه ، وجائز أن يكون آتاه ذلك وهو ابن ثماني عشرة سنة ، وجائز أن يكون آتاه وهو ابن عشرين سنة ، وجائز أن يكون آتاه وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة ، ولا دلالة له في كتاب الله ، ولا أثر عن الرسول صلىاللهعليهوسلم ، ولا في إجماع الأمة على أي ذلك كان ، وإذا لم يكن ذلك موجودا من الوجه الذي ذكرت ، فالصواب أن يقال فيه كما قال عزوجل ، حتى تثبت حجة بصحة ما قيل في ذلك من الوجه الذي يجب التسليم له ، فيسلم لها حينئذ.
(٣) انظر «تفسير الطبري» ٧ / ١٧٥.