(وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢١))
قوله تعالى : (وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ) قال وهب : لمّا ذهبت به السّيّارة إلى مصر ، وقفوه في سوقها يعرضونه للبيع ، فتزايد الناس في ثمنه حتى بلغ ثمنه وزنه مسكا ، ووزنه ورقا ، ووزنه حريرا ، فاشتراه بذلك الثّمن رجل يقال له : قطفير ، وكان أمين فرعون وخازنه ، وكان مؤمنا. وقال ابن عباس : إنّما اشتراه قطفير من مالك بن ذعر بعشرين دينارا ، وزوجي نعل ، وثوبين أبيضين ، فلمّا رجع إلى منزله قال لامرأته : أكرمي مثواه. وقال قوم : اسمه أطفير. وفي اسم المرأة قولان : أحدهما : راعيل بنت رعاييل ، قاله ابن إسحاق. والثاني : أزليخا بنت تمليخا ، قاله مقاتل.
قال ابن قتيبة : «أكرمي مثواه» يعني منزله ومقامه عندك ، من قولك : ثويت بالمكان : إذا أقمت به. وقال الزّجّاج : أحسني إليه في طول مقامه عندنا. قال ابن مسعود : أفرس الناس ثلاثة : العزيز حين تفرّس في يوسف ، فقال لامرأته : «أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا» ، وابنة شعيب حين قالت : (يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ) (١) ، وأبو بكر حين استخلف عمر.
وفي قوله تعالى : (عَسى أَنْ يَنْفَعَنا) قولان : أحدهما : يكفينا إذا بلغ أمورنا. والثاني : بالرّبح في ثمنه. قوله تعالى : (أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً) قال ابن عباس : نتبنّاه. وقال غيره : لم يكن لهما ولد ، وكان العزيز لا يأتي النساء. قوله تعالى : (وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ) أي : وكما أنجيناه من إخوته وأخرجناه من ظلمة الجبّ ، مكّنّا له في الأرض ، أي : ملّكناه في أرض مصر فجعلناه على خزائنها. (وَلِنُعَلِّمَهُ) قال ابن الأنباري : إنّما دخلت الواو في «ولنعلّمه» لفعل مضمر هو المجتلب للام ، والمعنى : مكّنّا ليوسف في الأرض ، واختصصناه بذلك لكي نعلّمه من تأويل الأحاديث. وقد سبق تفسير «تأويل الأحاديث». (وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ) في هاء الكناية قولان : أحدهما : أنها ترجع إلى الله تعالى ، فالمعنى : أنه غالب على ما أراد من قضائه ، وهذا معنى قول ابن عباس. والثاني : أنها ترجع إلى يوسف (٢) ، فالمعنى : غالب على أمر يوسف حتى يبلّغه ما أراده له ، وهذا معنى قول مقاتل. وقال بعضهم : والله غالب على أمره حيث أمر يعقوب يوسف أن لا يقصّ رؤياه على إخوته ، فعلموا بها ، ثم أراد يعقوب أن يلتقطه بعض السيّارة فيندرس أمره ، فعلا أمره ، ثم باعوه ليكون مملوكا ، فغلب أمره حتى ملك ، وأرادوا أن يعطّفوا أباهم ، فأباهم ، ثم أرادوا أن يغرّوا يعقوب بالبكاء والدّم الذي ألقوه على القميص ، فلم يخف عليه ، ثم أرادوا أن يكونوا بعده قوما صالحين ، فنسوا ذنبهم إلى أن أقرّوا به بعد سنين. فقالوا : (إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ) (٣) ، ثم أرادوا أن يمحوا محبّته من قلب أبيه ، فازدادت ، ثم أرادت أزليخا أن تلقي عليه التّهمة بقولها : (ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً) (٤) ، فغلب أمره ، حتى شهد شاهد من أهلها ، وأراد يوسف أن
__________________
(١) سورة القصص : ٢٦.
(٢) وكذا قال الطبري رحمهالله ٧ / ١٧٤ : الهاء في قوله : (عَلى أَمْرِهِ) عائدة على يوسف.
(٣) سورة يوسف : ٩٧.
(٤) سورة يوسف : ٢٥.