والضّحّاك ، وقتادة في آخرين. والثاني : أنه القليل ، قاله عكرمة ، والشّعبيّ. قال ابن قتيبة : البخس : الخسيس الذي بخس به البائع. والثالث : النّاقص ، وكانت الدّراهم عشرين درهما في العدد ، وهي تنقص عن عشرين في الميزان ، قاله أبو سليمان الدّمشقي (١).
قوله تعالى : (دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ) قال الفرّاء : إنما قيل : «معدودة» ليستدلّ بها على القلّة. وقال ابن قتيبة : أي : يسيرة ، سهل عددها لقلّتها ، فلو كانت كثيرة لثقل عددها. وقال ابن عباس : كانوا في ذلك الزّمان لا يزنون أقلّ من أربعين درهما ، وقيل : إنما لم يزنوها لزهدهم فيه. وفي عدد تلك الدّراهم خمسة أقوال : أحدها : عشرون درهما ، قاله ابن مسعود ، وابن عباس في رواية ، وعكرمة في رواية ، ونوف الشّامي ، ووهب بن منبّه ، والشّعبيّ ، وعطيّة ، والسّدّيّ ، ومقاتل في آخرين. والثاني : عشرون درهما وحلّة ، ونعلان ، روي عن ابن عباس أيضا. والثالث : اثنان وعشرون درهما ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد. والرابع : أربعون درهما ، قاله عكرمة في رواية ، وابن إسحاق. والخامس : ثلاثون درهما ، ونعلان ، وحلّة (٢) ، وكانوا قالوا له بالعبرانيّة : إمّا أن تقرّ لنا بالعبودية ، وإمّا أن نأخذك منهم فنقتلك ، قال : بل أقرّ لكم بالعبودية ، ذكره إسحاق بن بشر عن بعض أشياخه. قال المفسّرون : اقتسموا ثمنه ، فاشتروا به نعالا وخفافا. وكان بعض الصالحين يقول : والله ما يوسف ـ وإن باعه أعداؤه ـ بأعجب منك في بيعك نفسك بشهوة ساعة من معاصيك.
قوله تعالى : (وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) الزّهد : قلّة الرّغبة في الشيء. وفي المشار إليهم قولان (٣) : أحدهما : أنهم إخوته ، قال ابن عباس ؛ فعلى هذا ، في هاء «فيه» قولان : أحدهما : أنها ترجع إلى يوسف ، لأنهم لم يعلموا مكانه من الله تعالى ، قاله الضّحّاك ، وابن جريج. والثاني : أنها ترجع إلى الثّمن. وفي علّة زهدهم قولان : أحدهما : رداءته. والثاني : أنهم قصدوا بعد يوسف ، لا الثّمن. والثاني : أنهم السّيّارة الذين اشتروه. وفي علّة زهدهم ثلاثة أقوال : أحدها : أنهم ارتابوا لقلّة ثمنه. والثاني : أنّ إخوته وصفوه عندهم بالخيانة والإباق. والثالث : لأنهم علموا أنه حرّ.
__________________
وقد أخذوا برأيه (لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ) لم يقل نبيعه ، فكان كما أراد هذا القائل. ثم هو كان قد ألقي في الجب ، وقد تبرأ منه إخوته ، فكيف يأخذون ثمنا عن تسليمه؟!
(١) وهو ما اختاره ابن كثير ٢ / ٥٨٢ فقال : وقيل : المراد بقوله : (بَخْسٍ) الحرام ، وقيل : الظلم. وهذا وإن كان كذلك لكن ليس هو المراد هنا ، لأن هذا معلوم يعرفه كل أحد أن ثمنه حرام على كل حال ، وعلى كل أحد ، لأنه نبي ابن نبي ابن نبي ، ابن خليل الرحمن فهو الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ، وإنما المراد هنا بالبخس : الناقص ، أو الزيوف أو كلاهما ، أي أنهم إخوته وقد باعوه ، ومع هذا بأنقص الأثمان ، ولهذا قال : (دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ).
(٢) قال الإمام الطبري رحمهالله ٧ / ١٧١ : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله تعالى ذكره أخبر أنهم باعوه بدراهم معدودة غير موزونة ، لم يحدّ مبلغ ذلك بوزن ولا عدد ولا وضع عليه دلالة في كتاب ، ولا خبر من رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ... وليس في العلم بمبلغ وزن ذلك فائدة تقع في دين ، ولا في الجهل به دخول ضرّ فيه ، والإيمان بظاهر التنزيل فرض وما عداه فموضوع عنا تكلّف علمه.
(٣) الضمير في «كانوا» يعود على الواردة الذين استخرجوه من البئر ثم باعوه بثمن بخس زهدا ، فلا مكان لذكر الإخوة هاهنا ، والله أعلم.