مكّيّ بن أبي طالب : وقيل : إنّ «ما» زائدة ، لكن دخلت لتفصل بين اللامين اللّذين يتلقّيان القسم وكلاهما مفتوح ، ففصل ب «ما» بينهما. وقرأ ابن كثير «وإن» بالتّخفيف ، وكذلك «لما». قال سيبويه : حدّثنا من نثق به أنه سمع من العرب من يقول : إن عمرا لمنطلق ، فيخفّفون «إنّ» ويعملونها ، وأنشد :
ووجه حسن النّحر |
|
كأن ثدييه حقّان |
وقرأ نافع ، وأبو بكر عن عاصم : «وإن» خفيفة ، «لمّا» مشدّدة ، والمعنى : وما كلّا إلّا ؛ وهذا كما تقول : سألتك لمّا فعلت ، وإلّا فعلت ، ومثله قوله : (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) (١) وقرأ حمزة ، وابن عامر ، وحفص عن عاصم : «وإنّ» بالتّشديد ، «لمّا» بالتّشديد أيضا. قال أبو عليّ : هذه قراءة مشكلة ، لأنه كما لا يحسن : إنّ زيدا إلّا منطلق ، كذلك لا يحسن تثقيل «إنّ» وتثقيل «لمّا». وحكي عن الكسائيّ أنه قال : لا أعرف وجه التّثقيل في «لمّا» ، ولم يبعد فيما قال. وقال مكّيّ بن أبي طالب : الأصل فيها «لمن ما» ثم أدغمت النون في الميم ، فاجتمعت ثلاث ميمات في اللفظ ، فحذفت الميم المكسورة ؛ والتقدير : وإنّ كلّا لمن خلق ليوفّينّهم. قال : وقيل : التقدير : «لمن ما» بفتح الميم في «من» فتكون «ما» زائدة ، وتحذف إحدى الميمات لتكرير الميم في اللفظ ؛ والتقدير : لخلق ليوفّينّهم ، ومعنى الكلام : ليوفّينّهم جزاء أعمالهم (٢).
(فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١٢))
قوله تعالى : (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ) قال ابن عيينة : استقم على القرآن. وقال ابن قتيبة : امض على ما أمرت به. قوله تعالى : (وَمَنْ تابَ مَعَكَ) قال ابن عباس : من تاب معك من الشّرك. قوله تعالى : (وَلا تَطْغَوْا) فيه ثلاثة أقوال : أحدها : لا تطغوا في القرآن ، فتحلّوا وتحرّموا ما لم آمركم به ، قاله ابن عباس. والثاني : لا تعصوا ربّكم ولا تخالفوه ، قاله ابن زيد. والثالث : لا تخلطوا التّوحيد بشكّ ، قاله مقاتل.
(وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (١١٣))
قوله تعالى : (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) روى عبد الوارث عن أبي عمرو : «تركنوا» بفتح التاء وضمّ الكاف ، وهي قراءة قتادة. وروى هارون عن أبي عمرو «تركنوا» بفتح التاء وكسر الكاف. وروى محبوب عن أبي عمرو : «تركنوا» بكسر التاء وفتح الكاف. وقرأ ابن أبي عبلة «تركنوا» بضمّ التاء وفتح الكاف على ما لم يسمّ فاعله. وفي المراد بهذا الرّكون أربعة أقوال (٣) : أحدها : لا تميلوا إلى
__________________
(١) سورة الطارق : ٤.
(٢) قال الطبري رحمهالله ٧ / ١٢٢ ـ ١٢٣ : وأصح هذه القراءات مخرجا على كلام العرب المستفيض فيهم قراءة من قرأ : (وَإِنَ) بتشديد نونها ، (كُلًّا لَمَّا) بتخفيف ـ ما ـ ، (لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ) بمعنى وإن كل هؤلاء الذين قصصنا عليك يا محمد قصصهم في هذه السور ، ليوفينهم ربك أعمالهم بالصالح منها بالجزيل من الثواب ، وبالطالح منها بالشديد من العقاب ، فتكون «ما» بمعنى «من» واللام التي فيها جوابا ل «إنّ» واللام في قوله : (لَيُوَفِّيَنَّهُمْ) لام قسم.
(٣) اختار ابن كثير في تفسيره ٢ / ٥٦٨ القول الأول.