واختلف القرّاء في «سعدوا» فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وأبو بكر عن عاصم : «سعدوا» بفتح السين. وقرأ حمزة والكسائيّ وحفص عن عاصم بضمّها ، وهما لغتان.
قوله تعالى : (عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) نصب عطاء بما دلّ عليه الكلام ، كأنّه قال : أعطاهم النّعيم عطاء. والمجذوذ : المقطوع ؛ قال ابن قتيبة : يقال : جذذت ، وجددت ، وجذفت ، وجدفت : إذا قطعت.
(فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ ما يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (١٠٩))
قوله تعالى : (فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ) أي : فلا تك يا محمّد في شكّ (مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ) المشركون من الأصنام ، أنه باطل وضلال ، إنّما يقلّدون آباءهم ، (وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ) وفيه ثلاثة أقوال : أحدها : ما قدر لهم من خير وشرّ ، قاله ابن عباس. والثاني : نصيبهم من الرّزق ، قاله أبو العالية. والثالث : نصيبهم من العذاب ، قاله ابن زيد. وقال بعضهم : لا ينقصهم من عذاب آبائهم.
(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (١١٠))
قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) يعني التّوراة (فَاخْتُلِفَ فِيهِ) فمن مصدّق به ومكذّب كما فعل قومك بالقرآن. قال المفسّرون : وهذه تعزية للنبيّ صلىاللهعليهوسلم.
قوله تعالى : (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) قال ابن عباس : يريد : إنّي أخّرت أمّتك إلى يوم القيامة ، ولو لا ذلك لعجّلت عقاب من كذّبك. وقال ابن قتيبة : لو لا نظرة لهم إلى يوم الدّين لقضي بينهم في الدّنيا. وقال ابن جرير : سبقت من ربّك أنه لا يعجّل على خلقه بالعذاب ، لقضي بين المصدّق منهم والمكذّب بإهلاك المكذّب وإنجاء المصدّق.
قوله تعالى : (وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ) أي : من القرآن (مُرِيبٍ) أي : موقع للرّيب.
(وَإِنَّ كُلاًّ لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١١١))
قوله تعالى : (وَإِنَّ كُلًّا) يشير إلى جميع من قصّ قصّته في هذه السّورة. وقال مقاتل : يعني به كفّار هذه الأمّة. وقيل : المعنى : وإنّ كلّا لخلق أو بشر (لَيُوَفِّيَنَّهُمْ). قرأ أبو عمرو ، والكسائيّ «وإنّ» مشدّدة النون ، «لما» خفيفة. واللام في «لمّا» لام التّوكيد ، دخلت على «ما» وهي خبر «إنّ». واللام في «ليوفينّهم» اللام التي يتلقّى بها القسم ، والتّقدير : والله ليوفّينّهم ، ودخلت «ما» للفصل بين اللامين. قال
__________________
مكثهم في النار ، من لدن دخولها إلى أن دخلوا الجنة ، وتكون الآية معناها الخصوص ، لأن الأشهر من كلام العرب في «إلا» توجيهها إلى معنى الاستثناء وإخراج معنى ما بعدها مما قبلها ، إلا أن يكون معها دلالة تدل على خلاف ذلك ، ولا دلالة في الكلام ، أعني في قوله : (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) تدل على أن معناها غير معنى الاستثناء المفهوم في الكلام ، فيوجه إليه.