فقالت : هو إذن لله ذبيح. قوله تعالى : (رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ) فيه وجهان : أحدهما : أنه من دعاء الملائكة لهم. والثاني : أنه إخبار عن ثبوت ذلك لهم. ومن تلك البركات وجود أكثر الأنبياء والأسباط من إبراهيم وسارة. والحميد بمعنى المحمود. فأمّا المجيد ، فقال ابن قتيبة : المجيد. بمعنى الماجد ، وهو الشّريف. وقال أبو سليمان الخطّابي : هو الواسع الكرم. وأصل المجد في كلامهم : السّعة ، يقال : رجل ماجد : إذا كان سخيّا واسع العطاء. وفي بعض الأمثال : في كلّ شجر نار ، واستمجد المرخ والعفار (١) ، أي : استكثرا منها.
(فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ (٧٤) إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (٧٥) يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (٧٦))
قوله تعالى : (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ) يعني الفزع الذي أصابه حين امتنعوا من الأكل (يُجادِلُنا) فيه إضمار أخذ وأقبل يجادلنا ، والمراد : يجادل رسلنا.
قال المفسّرون : لمّا قالوا له : (إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ) قال : أتهلكون قرية فيها مائة مؤمن؟ قالوا : لا. قال : أتهلكون قرية فيها خمسون مؤمنا؟ قالوا : لا. قال : أربعون؟ قالوا : لا ؛ فما زال ينقص حتى قال : فواحد؟ قالوا : لا. فقال حينئذ : (إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها) ، هذا قول ابن إسحاق. وقال غيره : قيل له : إن كان فيهم خمسة لم نعذّبهم ، فما كان فيهم سوى لوط وابنتيه. وقال سعيد بن جبير : قال لهم : أتهلكون قرية فيها أربعة عشر مؤمنا؟ قالوا : لا ؛ وكان إبراهيم يعدّهم أربعة عشر مع امرأة لوط ، فسكت واطمأنّت نفسه ؛ وإنما كانوا ثلاثة عشر فأهلكوا. قوله تعالى : (إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ) قد فسّرناه في (براءة) (٢). فعند ذلك قالت الرّسل لإبراهيم : (يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا) يعنون الجدال. (إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ) بعذابهم. وقيل : قد جاء عذاب ربّك ، فليس بمردود ، لأنّ الله تعالى قد قضى به.
(وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ (٧٧) وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (٧٨) قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ (٧٩) قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ (٨٠) قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (٨١))
قوله تعالى : (وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً) قال المفسّرون : خرجت الملائكة من عند إبراهيم نحو قرية
__________________
(١) في «اللسان» مادة «عفر» المرخ والعفار : هما شجرتان فيهما نار ليس في غيرهما من الشجر ويسوّى من أغصانهما الزناد فيقتدح بها ، وذكر المثل وقال : استمجد : استكثر.
(٢) في الآية : ١١٤.