بالأمن ، لأنها خافت كخوف إبراهيم ، قاله الفرّاء. والسادس : أنها كانت قالت لإبراهيم : اضمم إليك ابن أخيك لوطا ، فإنه سينزل العذاب بقومه ، فلمّا جاءت الملائكة بعذابهم ، ضحكت سرورا بموافقتها للصّواب ، ذكره ابن الأنباري.
قال المفسّرون : قال جبريل لسارة : أبشري أيّتها الضّاحكة بولد اسمه إسحاق ، (وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ) ، فبشّروها أنها تلد إسحاق ، وأنها تعيش إلى أن ترى ولد الولد. وفي معنى الوراء قولان : أحدهما : أنه بمعنى «بعد» ، قاله أبو صالح عن ابن عباس ، واختاره مقاتل ، وابن قتيبة. والثاني : أنّ الوراء : ولد الولد ، روي عن ابن عباس أيضا ، وبه قال الشّعبيّ ، واختاره أبو عبيدة. فإن قيل : كيف يكون يعقوب وراء إسحاق وهو ولده لصلبه ، وإنّما الوراء : ولد الولد؟ فقد أجاب عنه ابن الأنباري ، فقال : المعنى : ومن وراء المنسوب إلى إسحاق يعقوب ، لأنه قد كان الوراء لإبراهيم من جهة إسحاق ، فلو قال : ومن الوراء يعقوب ، لم يعلم أهذا الوراء منسوب إلى إسحاق ، أم إلى إسماعيل؟ فأضيف إلى إسحاق لينكشف المعنى ويزول اللبس. قال : ويجوز أن ينسب ولد إبراهيم من غير إسحاق إلى سارة على جهة المجاز ، فكان تأويل الآية : من الوراء المنسوب إلى سارة ، وإلى إبراهيم من جهة إسحاق ، يعقوب. ومن حمل الوراء على «بعد» لزم ظاهر العربية.
واختلف القرّاء في «يعقوب» ، فقرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، والكسائيّ ، وأبو بكر عن عاصم : «يعقوب» بالرّفع. وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، وحفص عن عاصم : (يَعْقُوبَ) بالنّصب.
قال الزّجّاج : وفي رفع «يعقوب» وجهان : أحدهما : على الابتداء المؤخّر ، معناه التّقديم ؛ والمعنى : ويعقوب يحدث لها من وراء إسحاق. والثاني : وثبت لها من وراء إسحاق يعقوب.
ومن نصبه. حمله على المعنى ، والمعنى : وهبنا لها إسحاق ، ووهبنا لها يعقوب.
قوله تعالى : (يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ) هذه الكلمة تقال عند الإيذان بورود الأمر العظيم. ولم ترد بها الدّعاء على نفسها ، وإنما هي كلمة تخفّ على ألسنة النّساء عند الأمر العجيب. وقولها : (أَأَلِدُ) استفهام تعجّب. قال الزّجّاج : و (شَيْخاً) منصوب على الحال. قال ابن الأنباري : إنما أشارت بقولها هذا لتنبّه على شيخوخيّته. واختلفوا في سنّ إبراهيم وسارة يومئذ على أربعة أقوال (١) : أحدها : أنه كان إبراهيم ابن تسع وتسعين سنة ، وسارة بنت ثمان وتسعين ، قاله أبو صالح عن ابن عباس. والثاني : أنه كان إبراهيم ابن مائة سنة ، وسارة بنت تسع وتسعين ، قاله مجاهد. والثالث : كان إبراهيم ابن تسعين ، وسارة مثله ، قاله قتادة. والرابع : كان إبراهيم ابن مائة وعشرين سنة ، وسارة بنت تسعين ، قاله عبيد بن عمير ، وابن إسحاق.
(قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (٧٣))
قوله تعالى : (قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ) أي : من قضائه وقدرته ، وهو إيجاد ولد من بين كبيرين. قال السّدّيّ : قالت سارة لجبريل : ما آية ذلك؟ فأخذ بيده عودا يابسا فلواه بين أصابعه فاهتزّ أخضر ،
__________________
(١) قال الإمام الطبري رحمهالله ٧ / ٧٤ : وقيل إنها كانت يومئذ ابنة تسع وتسعين سنة ، وإبراهيم ابن مائة سنة.