(قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (٥٨))
قوله تعالى : (قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ) أي : من العذاب (لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) قال ابن عباس : يقول : لم أمهلكم ساعة ، ولأهلكتكم.
قوله تعالى : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ) فيه قولان : أحدهما : أنّ المعنى : إن شاء عاجلهم ، وإن شاء أخّر عقوبتهم. والثاني : أعلم بما يؤول إليهم أمرهم ، وأنه قد يهتدي منهم قوم ، ولا يهتدي آخرون ؛ فلذلك يؤخّرهم.
(وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٥٩))
قوله تعالى : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ) قال ابن جرير : المفاتح : جمع مفتح ؛ يقال : مفتح ومفتاح ، فمن قال : مفتح ، جمعه : مفاتح. ومن قال : مفتاح ، جمعه : مفاتيح. وفي «مفاتح الغيب» سبعة أقوال : أحدها : أنها خمس لا يعلمها إلّا الله عزوجل.
(٥٢٦) روى البخاريّ في أفراده من حديث ابن عمر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «مفاتح الغيب خمس لا يعلمهنّ إلّا الله ، لا يعلم متى تقوم السّاعة إلّا الله ، ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلّا الله ، ولا يعلم ما في غد إلّا الله ، ولا تعلم نفس بأيّ أرض تموت إلّا الله ، ولا يعلم متى ينزل الغيث إلّا الله».
(٥٢٧) قال ابن مسعود : أوتي نبيّكم علم كلّ شيء إلّا مفاتيح الغيب.
والثاني : أنها خزائن غيب السماوات من الأقدار والأرزاق ، قاله ابن عباس. والثالث : ما غاب عن الخلق من الثواب والعقاب ، وما تصير إليه الأمور ، قاله عطاء. والرابع : خزائن غيب العذاب ، متى ينزل ، قاله مقاتل. والخامس : الوصلة إلى علم الغيب إذا استعلم ، قاله الزّجّاج. والسادس : عواقب الأعمار وخواتيم الأعمال. والسابع : ما لم يكن ، هل يكون ، أم لا يكون؟ وما يكون كيف يكون ، وما لا يكون إن كان ، كيف يكون؟ فأمّا البرّ ، فهو القفر.
وفي البحر قولان : أحدهما : أنه الماء ، قاله الجمهور. والثاني : أنه القرى ، قاله مجاهد.
قوله تعالى : (وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها) قال الزجّاج : المعنى : أنه يعلمها ساقطة وثابتة ، كما تقول : ما يجيئك أحد إلّا وأنا أعرفه ، ليس تأويله : أعرفه في حال مجيئه فقط. فأما ظلمات الأرض ، فالمراد بها بطن الأرض.
وفي الرّطب واليابس ، خمسة أقوال : أحدها : أنّ الرّطب : الماء ، واليابس : البادية. والثاني : الرّطب. ما ينبت ، واليابس : ما لا ينبت. والثالث : الرّطب : الحيّ ، واليابس : الميت. والرابع : الرّطب : لسان المؤمن يذكر الله ، واليابس : لسان الكافر لا يتحرّك بذكر الله. والخامس : أنهما الشيء
____________________________________
(٥٢٦) حديث صحيح. أخرجه البخاري ١٠٣٩ و ٤٣٧٩ و ٤٦٢٧ و ٤٦٩٧ و ٤٧٧٨ ، وأحمد ٢ / ٢٤ و ٥٢ و ٥٨ و ٨٥ و ٨٦ ، وابن حبان ٧٠ و ٧١ والطبراني ١٣٢٤٦. من حديث ابن عمر.
(٥٢٧) جيد. أخرجه الطبري ١٣٣٠٩ ك عن ابن مسعود ، وإسناده قوي.