فإن قيل : كيف انفردت لام «كي» في قوله : «ولتستبين» وسبيلها أن تكون شرطا لفعل يتقدّمها أو يأتي بعدها؟ فقد أجاب عنه ابن الأنباريّ بجوابين : أحدهما : أنها شرط لفعل مضمر ، يراد به : ونفعل ذلك لكي تستبين. والثاني : أنها معطوفة على لام مضمرة ، تأويله : نفصّل الآيات لينكشف أمرهم ، ولتستبين سبيلهم.
(قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (٥٦))
قوله تعالى : (قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) يعني : الأصنام. وفي معنى (تَدْعُونَ) قولان : أحدهما : تدعونهم آلهة. والثاني : تعبدون ؛ قاله ابن عباس. وأهواؤهم : دينهم. قال الزّجّاج : أراد إنما عبدتموها على طريق الهوى ، لا على طريق البيّنة والبرهان. ومعنى «إذا» معنى الشّرط ؛ والمعنى : قد ضللت إن عبدتها. وقرأ طلحة ، وابن أبي ليلى : «قد ضللت» بكسر اللام.
(قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ (٥٧))
قوله تعالى : (قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي).
(٥٢٥) سبب نزولها أنّ النّضر بن الحارث وسائر قريش قالوا للنبيّ صلىاللهعليهوسلم : يا محمّد ائتنا بالعذاب الذي تعدنا به ، استهزاء ؛ وقام النّضر عند الكعبة وقال : اللهمّ إن كان ما يقول حقّا ، فائتنا بالعذاب ؛ فنزلت هذه الآية ؛ رواه أبو صالح عن ابن عباس.
فأمّا البيّنة ، فهي الدّلالة التي تفصل بين الحقّ والباطل. قال الزّجّاج : أنا على أمر بيّن ، لا متّبع لهوى. قوله تعالى : (وَكَذَّبْتُمْ بِهِ) في هاء الكناية ، ثلاثة أقوال : أحدها : أنها ترجع إلى الرّبّ. والثاني : ترجع إلى البيان. والثالث : ترجع إلى العذاب الذي طلبوه استهزاء.
قوله تعالى : (ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ) أي : ما بيدي. وفي الذي استعجلوا به قولان : أحدهما : أنه العذاب ؛ قاله ابن عباس ، والحسن. والثاني : أنه الآيات التي كانوا يقترحونها ؛ ذكره الزّجّاج. قوله تعالى : (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) فيه قولان : أحدهما : أنه الحكم الذي يفصل به بين المختلفين بإيجاب الثواب والعقاب. والثاني : أنه القضاء بإنزال العذاب على المخالف.
قوله تعالى : (يَقُصُّ الْحَقَ) قرأ ابن كثير ، وعاصم ، ونافع «يقصّ الحقّ» بالصّاد المشددة ، من القصص ؛ والمعنى : أنّ كلّ ما أخبر به فهو حقّ. وقرأ أبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائيّ : «يقضي الحقّ» من القضاء ؛ والمعنى : يقضي القضاء الحقّ.
____________________________________
(٥٢٥) باطل. عزاه المصنف لأبي صالح عن ابن عباس ، وهو من رواية الكلبي ، وهذا إسناد موضوع. وذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٤٣٧ بدون سند عن الكلبي ، وهو ممن يضع الحديث.