(وَيَتْلُوهُ) قولان : أحدهما : يتبعه. والثاني : يقرؤه. وفي هاء «يتلوه» قولان : أحدهما : أنها ترجع إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم. والثاني : إلى القرآن ، وقد سبق ذكره في قوله : (فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ) (١). وفي المراد بالشّاهد ثمانية أقوال (٢) : أحدها : أنه جبريل ، قاله ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، وعكرمة ، وإبراهيم في آخرين. والثاني : أنه لسان رسول الله صلىاللهعليهوسلم الذي كان يتلو القرآن ، قاله عليّ بن أبي طالب ، والحسن ، وقتادة في آخرين. والثالث : أنه عليّ بن أبي طالب. و «يتلوه» بمعنى يتبعه ، رواه جماعة عن عليّ بن أبي طالب (٣) ، وبه قال محمّد بن عليّ ، وزيد بن عليّ. والرابع : أنه رسول لله صلىاللهعليهوسلم هو شاهد من الله عزوجل. قاله الحسين بن عليّ عليهالسلام. والخامس : أنه ملك يحفظه ويسدّده ، قاله مجاهد. والسادس : أنه الإنجيل يتلو القرآن بالتّصديق ، وإن كان قد أنزل قبله ، لأنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم بشّرت به التّوراة ، قاله الفرّاء. والسابع : أنه القرآن ونظمه وإعجازه ، قاله الحسين بن الفضل. والثامن : أنه صورة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ووجهه ومخايله ، لأنّ كلّ عاقل نظر إليه علم أنه رسول الله صلىاللهعليهوسلم. وفي هاء «منه» ثلاثة أقوال. أحدها : أنها ترجع إلى الله تعالى. والثاني : إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم. والثالث : إلى البيّنة.
قوله تعالى : (وَمِنْ قَبْلِهِ) في هذه الهاء ثلاثة أقوال : أحدها : أنها ترجع إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، قاله مجاهد. والثاني : إلى القرآن ، قاله ابن زيد. والثالث : إلى الإنجيل ، أي : ومن قبل الإنجيل (كِتابُ مُوسى) يتّبع محمّدا بالتّصديق له ، ذكره ابن الأنباري. قال الزّجّاج : والمعنى : وكان من قبل هذا كتاب موسى دليلا على أمر النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فيكون «كتاب موسى» عطفا على قوله تعالى : (وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) أي : ويتلوه كتاب موسى عليهالسلام ، لأنّ موسى وعيسى عليهماالسلام بشّرا بالنبيّ صلىاللهعليهوسلم في التّوراة والإنجيل. ونصب «إماما» على الحال.
فإن قيل : كيف تتلوه التّوراة ، وهي قبله؟ قيل : لمّا بشّرت به ، كانت كأنّها تالية له ، لأنّها تبعته بالتّصديق له. وقال ابن الأنباري : «كتاب موسى» مفعول في المعنى ، لأنّ جبريل تلاه على موسى عليهالسلام ، فارتفع الكتاب ، وهو مفعول بمضمر بعده ، تأويله : ومن قبله كتاب موسى كذاك ، أي : تلاه جبريل أيضا ، كما تقول العرب : أكرمت أخاك وأبوك ، فيرفعون الأب ، وهو مكرم على الاستئناف ،
__________________
(١) سورة هود : ١٣.
(٢) قال ابن كثير رحمهالله في «تفسيره» : ٢ / ٥٤٢ وقوله : (وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) ، أي وجاءه شاهد من الله ، وهو ما أوحاه إلى الأنبياء من الشرائع المطهرة المكملة المعظمة المختتمة بشريعة محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. ولهذا قال ابن عباس ، ومجاهد وعكرمة ، وأبو العالية والضحاك وإبراهيم النخعي ، والسدي ، وغير واحد في قوله تعالى : (وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) : إنه جبريل عليهالسلام. وعن علي ، والحسن ، وقتادة : وهو محمد صلىاللهعليهوسلم ـ وكلاهما قريب في المعنى ، لأن كلا من جبريل ومحمد صلوات الله عليهما بلغ رسالة الله تعالى ، فجبريل إلى محمد ، ومحمد إلى الأمة. وقيل : هو علي وهو ضعيف لا يثبت له قائل. والأول والثاني هو الحق ، وذلك أن المؤمن عنده من الفطرة بما يشهد للشريعة من حيث الجملة ، والتفاصيل تؤخذ من الشريعة ، والفطرة تصدقها وتؤمن بها ولهذا قال تعالى : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) وهو القرآن ، بلغه جبريل إلى النبي صلىاللهعليهوسلم وبلغه النبي محمد إلى أمته.
(٣) باطل ، لا يصح تخصيص علي بذلك من بين الصحابة ، وهو من بدع التأويل وكونه ورد عن علي ، فقد أخرجه الطبري ١٨٠٦٢ ، وفيه جابر بن يزيد الجعفي ، وهو متهم بالكذب ، كذبه أبو حنيفة وغيره.