قوله تعالى : (وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي : واعلموا ذلك. (فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) استفهام بمعنى الأمر. وفيمن خوطب به قولان : أحدهما : أهل مكّة ، ومعنى إسلامهم : إخلاصهم لله العبادة ، قاله أبو صالح عن ابن عباس. والثاني : أنهم أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم قاله مجاهد.
(مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ (١٥) أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٦))
قوله تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها) اختلفوا فيمن نزلت على أربعة أقوال :
أحدها : أنها عامّة في جميع الخلق ، وهو قول الأكثرين. والثاني : أنها في أهل القبلة ، قاله أبو صالح عن ابن عباس. والثالث : أنها في اليهود والنّصارى ، قاله أنس. والرابع : أنها في أهل الرّياء ، قاله مجاهد. وروى عطاء عن ابن عباس : من كان يريد عاجل الدنيا ولا يؤمن بالبعث والجزاء. وقال غيره : إنما هي في الكافر ، لأنّ المؤمن يريد الدنيا والآخرة.
قوله تعالى : (نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ) أي : أجور أعمالهم (فِيها). قال سعيد بن جبير : أعطوا ثواب ما عملوا من خير في الدنيا. وقال مجاهد : من عمل عملا من صلة ، أو صدقة ، لا يريد به وجه الله ، أعطاه الله ثواب ذلك في الدنيا ، ويدرأ به عنه في الدنيا.
قوله تعالى : (وَهُمْ فِيها) قال ابن عباس : أي في الدّنيا (لا يُبْخَسُونَ) أي لا ينقصون من أعمالهم في الدنيا شيئا (أُولئِكَ الَّذِينَ) عملوا لغير الله (لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا) أي ما عملوا في الدنيا من حسنة (وَباطِلٌ ما كانُوا) لغير الله سبحانه (يَعْمَلُونَ).
فصل : وذكر قوم من المفسّرين ، منهم مقاتل ، أنّ هذه الآية اقتضت أنّ من أراد الدنيا بعمله ، أعطي فيها ثواب عمله من الرّزق والخير ، ثم نسخ ذلك بقوله : (عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ) (١) ، وهذا لا يصحّ ، لأنه لا يوفّي إلّا لمن يريد.
(أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (١٧) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (١٨))
قوله تعالى : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) في المراد أربعة أقوال : أحدها : أنها الدّين ، قاله أبو صالح عن ابن عباس. والثاني : أنها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قاله الضّحّاك. والثالث : القرآن ، قاله ابن زيد. والرابع : البيان ، قاله مقاتل. وفي المشار إليه ب «من» قولان : أحدهما : أنه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قاله ابن عباس والجمهور. والثاني : أنهم المسلمون ، وهو يخرّج على قول الضّحّاك. وفي قوله تعالى :
__________________
(١) سورة الإسراء : ١٨.