بمعنى : وأبوك مكرم أيضا. قال : وذهب قوم إلى أنّ كتاب موسى فاعل ، لأنه تلا محمّدا بالتّصديق كما تلاه الإنجيل.
فصل : فتلخيص الآية : أفمن كان على بيّنة من ربّه كمن لم يكن؟ قال الزّجّاج : ترك المضاد له ، لأنّ في ما بعده دليلا عليه ، وهو قوله : (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِ) (١). وقال ابن قتيبة : لمّا ذكر قبل هذه الآية قوما ركنوا إلى الدنيا ، جاء بهذه الآية ، وتقدير الكلام : أفمن كانت هذه حاله كمن يريد الدنيا؟ فاكتفى من الجواب بما تقدّم ، إذ كان فيه دليل عليه. وقال ابن الأنباري : إنّما حذف لانكشاف المعنى ، والمحذوف المقدّر كثير في القرآن والشّعر ، قال الشاعر :
فأقسم لو شيء أتانا رسوله |
|
سواك ، ولكن لم نجد لك مدفعا (٢) |
فإن قلنا : إنّ المراد بمن كان على بيّنة من ربّه ، رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فمعنى الآية : ويتّبع هذا النبيّ شاهد ، وهو جبريل عليهالسلام «منه» أي : من الله. وقيل : «شاهد» هو عليّ بن أبي طالب عليهالسلام (٣) ، «منه» أي : من النبيّ صلىاللهعليهوسلم. وقيل : «يتلوه» يعني القرآن ، يتلوه جبريل ، وهو شاهد لمحمّد صلىاللهعليهوسلم أنّ الذي يتلوه جاء من عند الله تعالى. وقيل : ويتلو رسول الله صلىاللهعليهوسلم القرآن وهو شاهد من الله تعالى. وقيل : ويتلو لسان رسول الله صلىاللهعليهوسلم القرآن ، فلسانه شاهد منه. وقيل : ويتّبع محمّدا شاهد له بالتّصديق ، وهو الإنجيل من الله تعالى. وقيل : ويتّبع هذا النبيّ شاهد من نفسه ، وهو سمته وهديه الدّالّ على صدقه. وإن قلنا : إنّ المراد بمن كان على بيّنة من ربّه المسلمون ، فالمعنى : أنّهم يتّبعون رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو البيّنة ، ويتّبع هذا النبيّ شاهد له بصدقه.
قوله تعالى : (إِماماً وَرَحْمَةً) إنّما سمّاه إماما ، لأنّه كان يهتدى به ، (وَرَحْمَةً) أي : وذا رحمة ، وأراد بذلك التّوراة ، لأنها كانت إماما وسببا لرحمة من آمن بها.
قوله تعالى : (أُولئِكَ) فيه ثلاثة أقوال : أحدها : أنه إشارة إلى أصحاب موسى. والثاني : إلى أصحاب محمّد صلىاللهعليهوسلم. والثالث : إلى أهل الحقّ من أمّة موسى وعيسى ومحمّد.
وفي هاء «به» ثلاثة أقوال : أحدها : أنها ترجع إلى التّوراة. والثاني : إلى القرآن. والثالث : إلى محمّد صلىاللهعليهوسلم. وفي المراد بالأحزاب هاهنا أربعة أقوال : أحدها : جميع الملل ، قاله سعيد بن جبير. والثاني : اليهود والنّصارى ، قاله قتادة. والثالث : قريش ، قاله السدي. والرابع : بنو أميّة ، وبنو المغيرة بن عبد الله المخزومي ، وآل طلحة بن عبد العزّى ، قاله مقاتل.
قوله تعالى : (فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ) أي : إليها مصيره ، قال حسّان بن ثابت :
أوردتموها حياض (٤) الموت ضاحية |
|
فالنّار موعدها والموت لاقيها |
قوله تعالى : (فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ) قرأ الحسن ، وقتادة «مرية» بضمّ الميم أين وقع. وفي المكنّى
__________________
(١) سورة هود : ٢٤.
(٢) البيت لامرئ القيس كما في ديوانه : ٢٤٢.
(٣) تقدم أنه باطل ، وأنه من بدع التأويل.
(٤) في «القاموس» حياض : جمع حوض : من حاضت المرأة ، أو من حاض الماء : جمعه ، وحوضا اتخذه.