لحتفه ، وهو لم يكسب المال طلبا للحتف ، وأنشدوا :
وللمنايا تربّي كلّ مرضعة |
|
وللخراب يجدّ النّاس عمرانا (١) |
وقال آخر :
وللموت تغذو الوالدات سخالها |
|
كما لخراب الدّور تبنى المساكن (٢) |
وقال آخر :
فإن يكن الموت أفناهم |
|
فللموت ما تلد الوالده |
أراد : عاقبة الأمر ومصيره إلى ذلك ، هذا قول الزّجّاج. والثالث : أنّها لام الدّعاء ، والمعنى : ربّنا ابتلهم بالضّلال عن سبيلك ، ذكره ابن الأنباري. والرابع : أنّها لام أجل ، فالمعنى : آتيتهم لأجل ضلالتهم عقوبة منك لهم ، ومثله قوله : (سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ) (٣) أي : لأجل إعراضكم ، حكاه بعض المفسّرين. وقرأ أهل الكوفة إلّا المفضّل ، وزيد ، وأبو حاتم عن يعقوب : «ليضلّوا» بضمّ الياء ، أي : ليضلّوا غيرهم.
قوله تعالى : (رَبَّنَا اطْمِسْ) روى الحلبيّ عن عبد الوارث : «اطمس» بضمّ الميم ، (عَلى أَمْوالِهِمْ) وفيه قولان : أحدهما : أنها جعلت حجارة ، رواه مجاهد عن ابن عباس ، وبه قال قتادة ، والضّحّاك ، وأبو صالح ، والفرّاء. وقال القرظيّ : جعل سكّرهم حجارة. وقال ابن زيد : صار ذهبهم ودراهمهم وعدسهم وكلّ شيء لهم حجارة. وقال مجاهد : مسخ الله النّخل والثّمار والأطعمة حجارة ، فكانت إحدى الآيات التّسع. وقال الزّجّاج : تطميس الشيء : إذهابه عن صورته والانتفاع به على الحال الأولى التي كان عليها. والثاني : أنّها هلكت ، فالمعنى : أهلك أموالهم ، رواه العوفيّ عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد ، وأبو عبيدة ، وابن قتيبة ، ومنه يقال : طمست عينه ، أي : ذهبت ، وطمس الطّريق : إذا عفا ودرس. وفي قوله : (وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ) أربعة أقوال : أحدها : اطبع عليها ، رواه العوفيّ عن ابن عباس ، وبه قال مقاتل ، والفرّاء ، والزّجّاج. والثاني : أهلكهم كفّارا ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال الضّحّاك. والثالث : أشدد عليها بالضّلالة ، قاله مجاهد. والرابع : أنّ معناه : قسّ قلوبهم ، قاله ابن قتيبة.
قوله تعالى : (فَلا يُؤْمِنُوا) فيه قولان :
أحدهما : أنه دعاء عليهم أيضا ، كأنّه قال : اللهمّ فلا يؤمنوا ، قاله الفرّاء ، وأبو عبيدة ، والزّجّاج. وقال ابن الأنباري : معناه : فلا آمنوا ، قال الأعشى :
فلا ينبسط من بين عينيك ما انزوى |
|
ولا تلقني إلّا وأنفك راغم (٤) |
معناه : لا انبسط ، ولا لقيتني. والثاني : أنه عطف على قوله : (لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ) ، فالمعنى : أنّك آتيتهم ليضلّوا فلا يؤمنوا ، حكاه الزّجّاج عن المبرّد.
__________________
(١) البيت من البسيط لم أهتد لقائله.
(٢) في «اللسان» : سخالها : السخل هو المولود المحبب إلى أبويه وهو في الأصل ولد الغنم.
(٣) سورة التوبة : ٩٥.
(٤) ذكره ابن منظور في «اللسان» مادة «زوي» ، وزوى ما بين عينيه فانزوى : جمعه فاجتمع وقبضه.