الأعراف (١). وفي المراد بمصر قولان : أحدهما : أنه البلد المعروف بمصر ، قاله الضّحّاك. والثاني : أنه الإسكندريّة ، قاله مجاهد. وفي البيوت قولان : أحدهما : أنها المساجد ، قاله الضّحّاك ، والثاني : القصور ، قاله مجاهد.
وفي قوله : (وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً) أربعة أقوال (٢) : أحدها : اجعلوها مساجد ، رواه مجاهد ، وعكرمة ، والضّحّاك عن ابن عباس ، وبه قال النّخعيّ ، وابن زيد. وقد ذكرنا أنّ فرعون أمر بهدم مساجدهم ، فقيل لهم : اجعلوا بيوتكم قبلة بدلا من المساجد. والثاني : اجعلوها قبل القبلة ، رواه العوفيّ عن ابن عباس. وروى الضّحّاك عن ابن عباس ، قال : قبل مكّة. وقال مجاهد : أمروا أن يجعلوها مستقبلة الكعبة ، وبه قال مقاتل ، وقتادة ، والفرّاء. والثالث : اجعلوها يقابل بعضها بعضا ، وهو مرويّ عن ابن عباس أيضا ، وبه قال سعيد بن جبير. والرابع : واجعلوا بيوتكم التي بالشّام قبلة لكم في الصّلاة ، فهي قبلة اليهود إلى اليوم ، قاله ابن بحر.
فإن قيل : البيوت جمع ، فكيف قال : «قبلة» على التّوحيد؟ فقد أجاب عنه ابن الأنباري ، فقال : من قال : المراد بالقبلة الكعبة ، قال : وحدت القبلة لتوحيد الكعبة. قال : ويجوز أن يكون أراد : اجعلوا بيوتكم قبلا ، فاكتفى بالواحد من الجميع ، كما قال العبّاس بن مرداس :
فقلنا أسلموا إنّا أخوكم |
|
فقد برئت من الإحن الصّدور (٣) |
يريد : إنّا إخوتكم. ويجوز أن يكون وحّد «قبلة» لأنه أجراها مجرى المصدر ، فيكون المعنى : واجعلوا بيوتكم إقبالا على الله ، وقصدا لما كنتم تستعملونه في المساجد. ويجوز أن يكون وحّدها ، والمعنى : واجعلوا بيوتكم شيئا قبلة ، ومكانا قبلة ، ومحلّة قبلة.
قوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) قال ابن عباس : أتمّوا الصّلاة (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) أنت يا محمّد. قال سعيد بن جبير : بشّرهم بالنّصر في الدنيا ، وبالجنّة في الآخرة.
قوله تعالى : (رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً) قال ابن عباس : كان لهم من لدن فسطاط مصر إلى أرض الحبشة جبال فيها معادن ذهب وفضّة وزبرجد وياقوت.
قوله تعالى : (لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ) وفي لام «ليضلّوا» أربعة أقوال : أحدها : أنها لام «كي» والمعنى : آتيتهم ذلك كي يضلّوا ، وهذا قول الفرّاء. والثاني : أنها لام العاقبة ، والمعنى : إنّك آتيتهم ذلك فأصارهم إلى الضّلال ، ومثله قوله : (لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) أي : آل أمرهم إلى أن صار لهم عدوا ، لا أنّهم قصدوا ذلك ، وهذا كما تقول للذي كسب مالا فأدّاه إلى الهلاك : إنّما كسب فلان
__________________
(١) سورة الأعراف : ٧٤.
(٢) قال الزمخشري رحمهالله في «الكشاف» ٢ / ٣٤٦ : تبوّأ المكان : اتخذه مباءة ، كقولك ، توطنه إذا اتخذه وطنا.
والمعنى : اجعلا بمصر بيوتا من بيوته مباءة لقومكما ومرجعا يرجعون إليه للعبادة والصلاة فيه. (وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ) تلك (قِبْلَةً) أي مساجد متوجهة نحو القبلة وهي الكعبة ، وكان موسى ومن معه يصلون إلى الكعبة ، وكانوا في أول أمرهم مأمورين بأن يصلوا في بيوتهم في خفية من الكفرة ، لئلا يظهروا عليهم فيؤذوهم ويفتنوهم عن دينهم ، كما كان المؤمنون على ذلك في أول الإسلام بمكة.
(٣) في «اللسان» : الإحن : الحقد في الصدر.