قوله تعالى : (حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) قال ابن عباس : هو الغرق ، وكان موسى يدعو ، وهارون يؤمّن ، فقال الله تعالى : (قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما) وكان بين الدّعاء والإجابة أربعون سنة.
فإن قيل : كيف قال : (دَعْوَتُكُما) وهما دعوتان؟ فعنه ثلاثة أجوبة :
أحدها : أنّ الدّعوة تقع على دعوتين وعلى دعوات وكلام يطول كما بيّنّا في سورة الأعراف (١) أنّ الكلمة تقع على كلمات ، قال الشاعر (٢) :
وكان دعا دعوة قومه |
|
هلمّ إلى أمركم قد صرم |
فأوقع «دعوة» على ألفاظ بيّنها آخر بيته. والثاني : أن يكون المعنى : قد أجيبت دعواتكما ، فاكتفى بالواحد من ذكر الجميع ، ذكر الجوابين ابن الأنباري. وقد روى حمّاد بن سلمة عن عاصم أنه قرأ : «دعواتكما» بالألف وفتح العين. والثالث : أنّ موسى هو الذي دعا ، فالدّعوة له ، غير أنّه لمّا أمّن هارون ، أشرك بينهما في الدّعوة ، لأنّ التّأمين على الدّعوة منهما.
وفي قوله تعالى : (فَاسْتَقِيما) أربعة أقوال : أحدها : فاستقيما على الرّسالة وما أمرتكما به ، قاله أبو صالح عن ابن عباس. والثاني : فاستقيما على دعاء فرعون وقومه إلى طاعة الله ، قاله ابن جرير. والثالث : فاستقيما في دعائكما على فرعون وقومه. والرابع : فاستقيما على ديني ، ذكرهما أبو سليمان الدّمشقي.
قوله تعالى : (وَلا تَتَّبِعانِ) قرأ الأكثرون بتشديد تاء «تتّبعان». وقرأ ابن عامر بتخفيفها مع الاتّفاق على تشديد نون «تتّبعانّ» إلّا أنّ في بعض الرّوايات عن ابن عامر تخفيف. قال الزّجّاج : موضع «تتبعان» جزم ، إلّا أنّ النون الشديدة دخلت للنّهي مؤكّدة ، وكسرت لسكونها ولسكون النون التي قبلها ، واختير لها الكسر لأنّها بعد الألف ، فشبّهت بنون الاثنين. قال أبو عليّ : ومن خفض النّون أمكن أن يكون خفّف النّون الثّقيلة ، فإن شئت كان على لفظ الخبر ، والمعنى الأمر ، كقوله : (يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ) (٣) و (لا تُضَارَّ والِدَةٌ) (٤) أي : لا ينبغي ذلك ، وإن شئت جعلته حالا من قوله : (فَاسْتَقِيما) تقديره : استقيما غير متّبعين. وفي المراد بسبيل الذين لا يعلمون قولان : أحدهما : أنهم فرعون وقومه ، قاله أبو صالح عن ابن عباس. والثاني : الذين يستعجلون القضاء قبل مجيئه ذكره أبو سليمان الدّمشقي.
فإن قيل : كيف جاز أن يدعو موسى على قومه؟
فالجواب : أنّ بعضهم يقول : كان ذلك بوحي ، وهو قول صحيح ، لأنه لا يظنّ بنبيّ أن يقدم على مثل ذلك إلّا عن إذن من الله عزوجل ، لأنّ دعاءه سبب للانتقام.
قوله تعالى : (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ) قال أبو عبيدة : أتبعهم وتبعهم سواء. وقال ابن قتيبة : أتبعهم لحقهم. (بَغْياً وَعَدْواً) أي : ظلما. وقرأ الحسن «فاتّبعهم» بالتشديد ، وكذلك شدّدوا «وعدوّا» مع ضمّ العين. قوله تعالى : (حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ) قرأ ابن كثير ونافع ، وعاصم ، وأبو عمرو ، وابن عامر «أنه» بفتح الألف ، والمعنى : آمنت بأنه ، فلمّا حذف حرف الجرّ ، وصل الفعل
__________________
(١) الآية ١٥٨.
(٢) البيت للأعشى كما في ديوانه / ٤٣. وفي «اللسان» صرم : من الصريمة وهي العزيمة على الشيء وقطع الأمر.
(٣) سورة البقرة : ٢٢٨.
(٤) سورة البقرة : ٢٣٣.