مثل ذلك الصّرف حقّت كلمة ربّك. والثاني : أنه بمعنى هكذا. وفي معنى «حقّت» قولان : أحدهما : وجبت. والثاني : سبقت. وفي كلمته قولان : أحدهما : أنها بمعنى وعده. والثاني : بمعنى قضائه. ومن قرأ «كلمات» جعل كلّ واحدة من الكلم التي توعّدوا بها كلمة. وقد شرحنا معنى الكلمة في «الأعراف» (١).
قوله تعالى : (قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِ) أي : إلى الحقّ.
قوله تعالى : (أَمَّنْ لا يَهِدِّي) قرأ ابن كثير ، وابن عامر ، وورش عن نافع : «يهدّي» بفتح الياء والهاء وتشديد الدّال. قال الزّجّاج : الأصل يهتدي ، فأدغمت التاء في الدال ، فطرحت فتحتها على الهاء. وقرأ نافع إلّا ورشا ، وأبو عمرو : «يهدّي» بفتح الياء وإسكان الهاء وتشديد الدال ، غير أنّ أبا عمرو كان يشمّ الهاء شيئا من الفتح. وقرأ حمزة ، والكسائيّ : «يهدي» بفتح الياء وسكون الهاء وتخفيف الدال. قال أبو عليّ : والمعنى : لا يهدي غيره إلّا أن يهدى هو ، ولو هدي الصّمّ لم يهتد ، ولكن لمّا جعلوه كمن يعقل ، أجريت مجراه. وروى يحيى بن آدم عن أبي بكر عن عاصم : «يهدّي» بكسر الياء والهاء وتشديد الدال ، وكذلك روى أبان وجبلة عن المفضّل وعبد الوارث ، قال الزّجّاج : أتبعوا الكسرة الكسرة ، وهي رديئة لثقل الكسرة في الياء. وروى حفص عن عاصم ، والكسائيّ عن أبي بكر عنه : «يهدّي» بفتح الياء وكسر الهاء وتشديد الدال ، قال الزّجّاج : وهذه في الجودة كالمفتوحة الهاء ، إلّا أنّ الهاء كسرت لالتقاء السّاكنين. وقرأ ابن السّميفع : «يهتدي» بزيادة تاء. والمراد بقوله : (أَمَّنْ لا يَهِدِّي) الصّمّ (إِلَّا أَنْ يُهْدى). وظاهر الكلام يدلّ على أنّ الأصنام إن هديت اهتديت ، وليست كذلك ، لأنها حجارة لا تهتدي ، إلّا أنهم لمّا اتّخذوها آلهة ، عبّر عنها كما يعبّر عمّن يعقل ، ووصفت صفة من يعقل وإن لم تكن في الحقيقة كذلك ؛ ولهذا المعنى قال في صفتها : (أَمَّنْ) لأنهم جعلوها كمن يعقل. ولمّا أعطاها حقّها في أصل وضعها ، قال : (يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ) (٢). وقال الفرّاء : (أَمَّنْ لا يَهِدِّي) أي : أتعبدون ما لا يقدر أن ينتقل من مكانه إلّا أن يحوّل؟ وقد صرف بعضهم الكلام إلى الرّؤساء والمضلّين ، والأوّل أصحّ. قوله تعالى : (فَما لَكُمْ) قال الزّجّاج : هو كلام تامّ ، كأنه قيل لهم : أيّ شيء لكم في عبادة الأوثان؟ ثم قيل لهم : (كَيْفَ تَحْكُمُونَ) أي : على أيّ حال تحكمون؟ وقال ابن عباس : كيف تقضون لأنفسكم؟ وقال مقاتل : كيف تقضون بالجور؟
(وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (٣٦))
قوله تعالى : (وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ) أي : كلّهم (إِلَّا ظَنًّا) أي : ما يستيقنون أنها آلهة ، بل يظنّون شيئا فيتّبعونه. (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) أي : ليس هو كاليقين ، ولا يقوم مقام الحقّ ، وقال مقاتل : ظنّهم بأنها آلهة لا يدفع عنهم من العذاب شيئا ، وقال غيره : ظنّهم أنها تشفع لهم لا يغني عنهم.
(وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٣٧))
__________________
(١) سورة الأعراف : ١٣٧.
(٢) سورة مريم : ٤٢.