تعلم. ومن قرأ : «تتلو» بتاءين ، فقد فسّرها الأخفش وغيره : تتلو من التّلاوة ، أي : تقرأ. وفسّروه أيضا : تتبع كلّ نفس ما أسلفت. ومثله قول الشاعر (١) :
قد جعلت دلوي تستتليني
أي : تستتبعني ، أي : من ثقلها تستدعي اتّباعي إيّاها.
قوله تعالى : (وَرُدُّوا) أي في الآخرة (إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ) الذي يملك أمرهم حقا لا من جعلوا معه من الشّركاء (وَضَلَّ عَنْهُمْ) أي زال وبطل (ما كانُوا يَفْتَرُونَ) من الآلهة.
(قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (٣١))
قوله تعالى : (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ) المطر ، ومن الأرض النّبات ، (أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ) أي خلق السّمع والأبصار. وقد سبق معنى إخراج الحيّ من الميّت ، والميّت من الحيّ.
قوله تعالى : (وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) أي : أمر الدّنيا والآخرة (فَسَيَقُولُونَ اللهُ) لأنهم خوطبوا بما لا يقدر عليه إلّا الله ، فكان في ذلك دليل توحيده.
وفي قوله تعالى : (أَفَلا تَتَّقُونَ) قولان : أحدهما : أفلا تتّعظون ، قاله ابن عباس. والثاني : تتّقون الشّرك ، قاله مقاتل.
(فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٣٢))
قوله تعالى : (فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُ) قال الخطّابيّ : الحقّ هو المتحقّق وجوده ، وكلّ شيء صحّ وجوده وكونه ، فهو حقّ. وقوله تعالى : (فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) قال ابن عباس : كيف تصرفون عقولكم إلى عبادة من لا يرزق ولا يحيي ولا يميت؟
(كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٣) قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٣٤) قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٥))
قوله تعالى : (كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) قرأ ابن كثير ، وعاصم ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائيّ : «كلمة ربّك» ، وفي آخر السّورة كذلك. وقرأ نافع ، وابن عامر الحرفين «كلمات» على الجمع. قال الزّجّاج : الكاف في موضع نصب ، أي : مثل أفعالهم جازاهم ربّك ، والمعنى : حقّ عليهم أنهم لا يؤمنون. وقوله : (أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) بدل من : (كَلِمَةُ رَبِّكَ). وجائز أن تكون الكلمة حقّت عليهم لأنهم لا يؤمنون ، وتكون الكلمة ما وعدوا به من العقاب.
وذكر ابن الأنباري في (كَذلِكَ) قولين : أحدهما : أنّها إشارة إلى مصدر «تصرفون» ، والمعنى :
__________________
(١) ذكره ابن منظور في «اللسان» وهو من الرجز مادة «تلا» ، ولم يعزه لأحد.