قوله تعالى : (وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللهِ) قال الزّجّاج : هذا جواب قولهم : (ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ) (١) وجواب قولهم : (افْتَراهُ) (٢). قال الفرّاء : ومعنى الآية : ما ينبغي لمثل هذا القرآن أن يفترى من دون الله ، فجاءت «أن» على معنى ينبغي. وقال ابن الأنباري : يجوز أن تكون «أن» مع «يفترى» مصدرا ، وتقديره : وما كان هذا القرآن افتراء. ويجوز أن تكون «كان» تامّة ، فيكون المعنى : ما نزل هذا القرآن ، وما ظهر هذا القرآن لأن يفترى ، وبأن يفترى ، فتنصب «أن» بفقد الخافض في قول الفرّاء ، وتخفض بإضمار الخافض في قول الكسائيّ. وقال ابن قتيبة : معنى (أَنْ يُفْتَرى) أي : يضاف إلى غير الله ، أو يختلق.
قوله تعالى : (وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) فيه ثلاثة أقوال : أحدها : أنه تصديق الكتاب المتقدّمة ، قاله ابن عباس. فعلى هذا ، إنّما قال : (الَّذِي) لأنه يريد الوحي. والثاني : ما بين يديه من البعث والنّشور ، ذكره الزّجّاج. والثالث : تصديق النّبيّ صلىاللهعليهوسلم الذي بين يدي القرآن ، لأنهم شاهدوا النبيّ صلىاللهعليهوسلم وعرفوه قبل سماعهم القرآن ، ذكره ابن الأنباري. قوله تعالى : (وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ) أي : وبيان الكتاب الذي كتبه الله على أمّة محمّد والفرائض التي فرضها عليهم.
(أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٨))
قوله تعالى : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) في «أم» قولان. أحدهما : أنها بمعنى الواو ، قاله أبو عبيدة. والثاني : بمعنى بل ، قاله الزّجّاج. قوله تعالى : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) قال الزّجّاج : المعنى : فأتوا بسورة مثل سورة منه ، فذكر المثل لأنه إنّما التمس شبه الجنس ، (وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ) ممّن هو في التّكذيب مثلكم (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أنه اختلقه.
(بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٣٩))
قوله تعالى : (بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ) فيه قولان :
أحدهما : أنّ المعنى : بما لم يحيطوا بعلم ما فيه من ذكر الجنّة والنّار والبعث والجزاء.
والثاني : بما لم يحيطوا بعلم التّكذيب به ، لأنّهم شاكّون فيه.
وفي قوله : (وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ) قولان : أحدهما : تصديق ما وعدوا به من الوعيد. والتّأويل : ما يؤول إليه الأمر. والثاني : ولم يكن معهم علم تأويله ، قاله الزّجّاج.
قيل لسفيان بن عيينة : يقول الناس : كلّ إنسان عدوّ ما جهل ، فقال : هذا في كتاب الله. قيل له : أين؟ فقال : (بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ). وقيل للحسين بن الفضل : هل تجد في القرآن : من جهل شيئا عاداه؟ فقال : نعم ، في موضعين. قوله : (بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ) وقوله : (وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ) (٣).
__________________
(١) سورة يونس : ١٥.
(٢) سورة يونس : ٣٨.
(٣) سوف الأحقاف : ١١.