إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

زاد المسير في علم التفسير [ ج ٢ ]

زاد المسير في علم التفسير [ ج ٢ ]

250/595
*

(٦٩١) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ولا تجزي عن أحد بعدك».

وفي قوله تعالى : (عَنْ يَدٍ) ستة أقوال : أحدها : عن قهر ، قاله قتادة ، والسّدّيّ. وقال الزّجّاج : عن قهر وذلّ. والثاني : أنه النّقد العاجل ، قاله شريك ، وعثمان بن مقسم. والثالث : أنه إعطاء المبتدئ بالعطاء ، لا إعطاء المكافئ ، قاله ابن قتيبة. والرابع : أنّ المعنى : عن اعتراف للمسلمين بأنّ أيديهم فوق أيديهم. والخامس : عن إنعام عليهم بذلك لأنّ قبول الجزية منهم إنعام عليهم ، حكاهما الزّجّاج. والسادس : يؤدّونها بأيديهم ، ولا ينفذونها مع رسلهم ، ذكره الماوردي.

قوله تعالى : (وَهُمْ صاغِرُونَ) الصّاغر : الذّليل الحقير. وفي ما يكلّفونه من الفعل الذي يوجب صغارهم خمسة أقوال : أحدها : أن يمشوا بها ملبّيين ، رواه أبو صالح عن ابن عباس. والثاني : أن لا يحمدوا على إعطائهم ، قاله سلمان الفارسيّ. والثالث : أن يكونوا قياما والآخذ جالسا ، قاله عكرمة. والرابع : أنّ دفع الجزية هو الصّغار. والخامس : أنّ إجراء أحكام الإسلام عليهم هو الصّغار.

فصل : واختلف في الذين تؤخذ منهم الجزية من الكفّار ، فالمشهور عن أحمد : أنها لا تقبل إلّا من اليهود والنّصارى والمجوس ، وبه قال الشّافعيّ. ونقل الحسن بن ثواب عن أحمد : أنه من سبي من أهل الأديان من العرب والعجم ، فالعرب إن أسلموا ، وإلّا السيف ، وأولئك إن أسلموا ، وإلّا الجزية ؛ فظاهر هذا أنّ الجزية تؤخذ من الكلّ ، إلّا من عابدي الأوثان من العرب فقط ، وهو قول أبي حنيفة ، ومالك (١).

فصل : فأمّا صفّة الذين تؤخذ منهم الجزية ، فهم أهل القتال. فأمّا الزّمن ، والأعمى ، والمفلوج ، والشيخ الفاني ، والنساء ، والصّبيان ، والرّاهب الذي لا يخالط الناس ، فلا تؤخذ منهم.

فصل : فأمّا مقدارها ، فقال أصحابنا : على الموسر : ثمانية وأربعون درهما ، وعلى المتوسّط : أربعة وعشرون ، وعلى الفقير المعتمل : اثنا عشر ، وهو قول أبي حنيفة. وقال مالك : على أهل الذّهب أربعة دنانير ، وعلى أهل الورق أربعون درهما ، وسواء في ذلك الغنيّ والفقير. وقال الشّافعيّ : على الغنيّ والفقير دينار. وهل تجوز الزيادة والنّقصان ممّا يؤخذ منهم؟ نقل الأثرم عن أحمد : أنها تزاد وتنقص على قدر طاقتهم ، فظاهر هذا : أنها على اجتهاد الإمام ورأيه. ونقل يعقوب بن بختان : أنه

____________________________________

(٦٩١) صحيح. أخرجه البخاري ٩٧٦ ومسلم ١٩٦١ والطبراني في «الأوسط» ٣٠٣٦. كلهم من حديث البراء رضي الله عنه قال : قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا نصلي ، ثم نرجع فننحر ، من فعله فقد أصاب سنتنا ، ومن ذبح قبل فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء». فقام أبو بردة بن نيار وقد ذبح فقال : إن عندي جذعة فقال : «اذبحها ولن تجزي عن أحد بعدك». لفظ البخاري.

__________________

(١) قال الحافظ ابن كثير رحمه‌الله في «تفسيره» ٢ / ٤٣٠ : استدل بهذه الآية الكريمة من يرى أنه لا تؤخذ الجزية إلا من أهل الكتاب ، أو من أشبههم كالمجوس ، لما صح فيهم الحديث أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أخذها من مجوس هجر ، وهذا مذهب الشافعي ، وأحمد  ـ  في المشهور عنه  ـ. وقال أبو حنيفة رحمه‌الله : بل يؤخذ من جميع الأعاجم سواء كانوا من أهل الكتاب أو من المشركين ، ولا تؤخذ من العرب إلا من أهل الكتاب وقال الإمام مالك : بل يجوز أن تضرب الجزية على جميع الكفار من كتابي ، ومجوسي ووثني وغير ذلك.