هذا) شقّ على المسلمين ، وقالوا : من يأتينا بطعامنا؟ وكانوا يقدمون عليهم بالتّجارة ، فنزلت (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً) قال الأخفش : العيلة : الفقر. يقال : عال يعيل عيلة : إذا افتقر. وأعال إعالة فهو يعيل : إذا صار صاحب عيال. وقال أبو عبيدة : العيلة ها هنا مصدر عال فلان : إذا افتقر ، وأنشد :
وما يدري الفقير متى غناه |
|
وما يدري الغنيّ متى يعيل (١) |
وللمفسّرين في قوله : «وإن» قولان : أحدهما : أنها للشرط ، وهو الأظهر. والثاني : أنها بمعنى «وإذ» ، قاله عمرو بن فائد. قالوا : وإنّما خاف المسلمون الفقر ، لأنّ المشركين كانوا يحملون التّجارات إليهم ، ويجيئون بالطّعام وغيره. وفي قوله تعالى : (فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ) ثلاثة أقوال : أحدها : أنه أنزل عليهم المطر عند انقطاع المشركين عنهم ، فكثر خيرهم ، قاله عكرمة. والثاني : أنه أغناهم بالجزية المأخوذة من أهل الكتاب ، قاله قتادة ، والضّحّاك. والثالث : أنّ أهل نجد ، وجرش ، وأهل صنعاء أسلموا ، فحملوا الطعام إلى مكّة على الظّهر ، فأغناهم الله به ، قاله مقاتل. قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ) قال ابن عباس : عليم بما يصلحكم (حَكِيمٌ) فيما حكم في المشركين.
(قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ (٢٩))
قوله تعالى : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ) قال المفسّرون : نزلت في اليهود والنّصارى. قال الزّجّاج : ومعناها : لا يؤمنون بالله إيمان الموحّدين ، لأنّهم أقرّوا بأنّه خالقهم وأنّه له ولد ، وكذلك إيمانهم بالبعث لأنّهم لا يقرّون بأنّ أهل الجنّة يأكلون ويشربون. وقال الماوردي : إقرارهم باليوم الآخر يوجب الإقرار بحقوقه ، وهم لا يقرّون بها ، فكانوا كمن لا يقرّ به.
قوله تعالى : (وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ) قال سعيد بن جبير : يعني الخمر والخنزير. قوله تعالى : (وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِ) في الحقّ قولان : أحدهما : أنه اسم الله ، فالمعنى : دين الله ، قاله قتادة. والثاني : أنه صفة للدّين ، والمعنى : ولا يدينون الدّين الحقّ ؛ فأضاف الاسم إلى الصّفة. وفي معنى «يدينون» قولان : أحدهما : أنه بمعنى الطّاعة ، والمعنى : لا يطيعون الله طاعة حقّ ، قاله أبو عبيدة. والثاني : أنه من : دان الرجل يدين كذا : إذا التزمه. ثم في جملة الكلام قولان : أحدهما : أنّ المعنى : لا يدخلون في دين محمّد صلىاللهعليهوسلم ، لأنه ناسخ لما قبله. والثاني : لا يعملون بما في التّوراة من اتّباع محمّد صلىاللهعليهوسلم.
قوله تعالى : (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ) قال ابن الأنباري : الجزية : الخراج المجعول عليهم ؛ سمّيت جزية ، لأنها قضاء لما عليهم ؛ أخذ من قولهم : جزى يجزي : إذا قضى ؛ ومنه قوله تعالى : (لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) (٢).
____________________________________
وأخرجه برقم ١٦٦٢ و ١٦٦٢١ عن الضحاك. أخرجه ١٦٦٢٢ عن مجاهد. وأخرجه ١٦٦١٧ عن عطية العوفي. والخلاصة : هذه الروايات وإن كانت مراسيل فإنها تتأيد بمجموعها ، والله أعلم.
__________________
(١) البيت لأحيحة بن الجلاح. «مجاز القرآن» ١ / ٢٥٥ ، «اللسان» عيل.
(٢) سورة البقرة : ٤٨.