قوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) قال أبو عبيدة : معناه : قذر. قال الزّجّاج : يقال لكلّ شيء مستقذر : نجس. وقال الفرّاء : لا تكاد العرب تقول : نجس ، إلّا وقبلها رجس ، فإذا أفردوها قالوا : نجس. وفي المراد بكونهم نجسا ثلاثة أقوال (١) : أحدها : أنهم أنجاس الأبدان ، كالكلب والخنزير ، حكاه الماوردي عن الحسن ، وعمر بن عبد العزيز. وروى ابن جرير عن الحسن قال : من صافحهم فليتوضّأ. والثاني : أنّهم كالأنجاس لتركهم ما يجب عليهم من غسل الجنابة ، وإن لم تكن أبدانهم أنجاسا ، قاله قتادة. والثالث : أنه لمّا كان علينا اجتنابهم كما تجتنب الأنجاس ، صاروا بحكم الاجتناب كالأنجاس ، وهذا قول الأكثرين ، وهو الصّحيح.
قوله تعالى ؛ (فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) قال أهل التّفسير : يريد جميع الحرم. (بَعْدَ عامِهِمْ هذا) وهو سنة تسع من الهجرة ، وهي السّنة التي حجّ فيها أبو بكر الصّديق وقرئت (براءة). وقد أخذ أحمد رضي الله عنه بظاهر الآية ، وأنه يحرم عليهم دخول الحرم ، وهو قول مالك ، والشافعيّ. واختلفت الرواية عنه في دخولهم غير المسجد الحرام من المساجد ، فروي عنه المنع أيضا إلّا لحاجة ، كالحرم ، وهو قول مالك. وروي عنه جواز ذلك ، وهو قول الشّافعيّ. وقال أبو حنيفة : يجوز لهم دخول المسجد الحرام ، وسائر المساجد (٢).
قوله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً) وقرأ سعد بن أبي وقّاص ، وابن مسعود ، والشّعبيّ ، وابن السّميفع : «عايلة».
(٦٩٠) قال سعيد بن جبير : لمّا نزلت (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ
____________________________________
(٦٩٠) أخرجه الطبري ١٦٦١٥ عن سعيد بن جبير مرسلا. وأخرجه من مرسل عكرمة ، برقم ١٦٦١٣ و ١٦٦١٤.
__________________
(١) قال الإمام المرغيناني الحنفي في «الهداية» ١ / ٢١٠ : النجاسة ضربان : مرئية ، وغير مرئية. فما كان منها مرئيا فطهارته زوال عينها لأن النجاسة حلت المحل باعتبار العين فتزول بزوالها ، إلا أن يبقى من أثرها ما تشق إزالته لأن الحرج مدفوع. وما ليس بمرئي : فطهارته أن يغسل حتى يغلب على ظن الغاسل أنه قد طهر اه. وانظر «مراقي الفلاح» ١ / ١٩١ ـ ١٩٦ للعلامة الشرنبلالي الحنفي.
ـ قلت : والحنيفة : يقولون بأن الكافر نجس حكما لا حقيقة.
(٢) قال الإمام القرطبي رحمهالله في «التفسير» ٨ / ١٠٤ ـ ١٠٥ ـ عند الحديث ٣٣٢٢ بترقيمي ما ملخصه : اختلف العلماء في دخول الكفار المساجد والمسجد الحرام على خمسة أقوال : فقال أهل المدينة : الآية عامة في سائر المشركين ، وسائر المساجد ، وبذلك كتب عمر بن عبد العزيز إلى عماله ونزع بهذه الآية. وفي صحيح مسلم وغيره «إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من البول والقذر» والكافر لا يخلو عن ذلك وقال صلىاللهعليهوسلم : «لا أحل المسجد لحائض ولا لجنب» والكافر جنب. وقوله تعالى (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) فسماه الله تعالى نجسا ، فلا يخلو أن يكون نجس العين أو مبعدا من طريق الحكم. وأي ذلك كان فمنعه من المسجد واجب ، لأن العلة وهي النجاسة موجودة فيهم ، والحرمة موجودة في المسجد. وقال الشافعي رحمهالله : الآية عامة في سائر المشركين ، خاصة في المسجد الحرام ، ولا يمنعون من دخول غيره. وقال أبو حنيفة وأصحابه : لا يمنع اليهود والنصارى من دخول المسجد الحرام ولا غيره. وهذا قول يرده ما ذكرنا من الآية وغيره. وقال الكيا الطبري : ويجوز للذمي دخول سائر المساجد عند أبي حنيفة من غير حاجة. وقال الشافعي تعتبر الحاجة ، ومع الحاجة لا يجوز دخول المسجد الحرام. وقال عطاء : الحرم كله قبلة ومسجد ، فينبغي أن يمنعوا الحرم. وقال قتادة : لا يقرب المسجد الحرام مشرك ، إلا أن يكون صاحب جزية أو عبدا كافرا لمسلم. وبهذا قال جابر.