وبعضهم يقول : ثبت مع النبيّ صلىاللهعليهوسلم يومئذ جماعة من أصحابه منهم أبو بكر ، وعمر ، وعليّ ، والعباس ، وأبو سفيان بن الحارث. وبعضهم يقول : لم يبق معه سوى العباس وأبي سفيان.
(٦٨٨) فجعل النبيّ يقول للعباس : «ناد : يا معشر الأنصار ، يا أصحاب السمرة ، يا أصحاب سورة البقرة» فنادى ، وكان صيّتا ، فأقبلوا كأنّهم الإبل إذا حنّت إلى أولادها ، يقولون : يا لبّيك ، فنظر النبيّ صلىاللهعليهوسلم إلى قتالهم ، فقال : «الآن حمي الوطيس ، أنا النبيّ لا كذب ، أنا ابن عبد المطّلب» ثم قال للعباس : «ناولني حصيات» فناوله ، فقال : «شاهت الوجوه» ورمى بها ، وقال : «انهزموا وربّ الكعبة» ، فقذف الله في قلوبهم الرّعب فانهزموا.
(٦٨٩) وقيل : أخذ رسول الله صلىاللهعليهوسلم كفا من تراب ، فرماهم به فانهزموا. وكانوا يقولون : ما بقي منّا أحد إلّا امتلأت عيناه بالتّراب.
(ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (٢٦) ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٧))
قوله تعالى : (ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ) أي : بعد الهزيمة. قال أبو عبيدة : هي فعيلة من السّكون ، وأنشد :
لله قبر غالها ما ذا يجنّ |
|
لقد أجنّ سكينة ووقارا (١) |
وكذلك قال المفسرون : الأمن والطمأنينة.
قوله تعالى : (وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها) قال ابن عباس : يعني الملائكة. وفي عددهم يومئذ ثلاثة أقوال : أحدها : ستة عشر ألفا ، قاله الحسن. والثاني : خمسة آلاف ، قاله سعيد بن جبير. والثالث : ثمانية ، قاله مجاهد ، يعني : ثمانية آلاف. وهل قاتلت الملائكة يومئذ ، أم لا؟ فيه قولان. وفي قوله تعالى : (وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أربعة أقوال : أحدها : بالقتل ، قاله ابن عباس والسّدّيّ. والثاني : بالقتل والهزيمة ، قاله ابن أبزى ومقاتل. والثالث : بالخوف والحذر ، ذكره الماوردي. والرابع : بالقتل والأسر وسبي الأولاد وأخذ الأموال ، ذكره بعض ناقلي التّفسير.
قوله تعالى : (ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ) أي : يوفّقه للتّوبة من الشّرك.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٢٨))
____________________________________
(٦٨٨) صحيح. أخرجه مسلم ١٧٧٥ والنسائي في «الكبرى» ٨٦٥٣ وعبد الرزاق في «المصنف» ٩٧٤١ وأحمد ١ / ٢٠٧ وابن حبان ٧٠٤٩ والطبري ١٦٥٩١ وابن سعد في الطبقات ٤ / ١٨ و ١٩ والبغوي في «شرح السنة» ٣٧١٠ من حديث العباس.
(٦٨٩) صحيح. أخرجه الطبري ١٦٥٩٣ عن أبي عبد الرحمن الفهري به وأتم ... وأخرجه مسلم ١٧٧٧ وابن حبان ٦٥٢٠ من حديث سلمة بن الأكوع. وله شواهد.
__________________
(١) البيت لأبي عريف الكلبي «مجاز القرآن» ١ / ٢٥٥ و «اللسان» سكن.