الكاذب. (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ) أي : ولمّا تجاهدوا فيعلم الله وجود ذلك منكم ؛ وقد كان يعلم ذلك غيبا ، فأراد إظهار ما علم ليجازي على العمل. فأمّا الوليجة ، فقال ابن قتيبة : هي البطانة من غير المسلمين ، وهو أن يتّخذ الرجل من المسلمين دخيلا من المشركين وخليطا ووادّا ؛ وأصله من الولوج. قال أبو عبيدة : وكلّ شيء أدخلته في شيء ليس منه فهو وليجة ، والرجل يكون في القوم وليس منهم فهو وليجة فيهم.
(ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ (١٧) إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (١٨))
قوله تعالى : (ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ) قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو : «مسجد الله» على التّوحيد ، «إنما يعمر مساجد الله» على الجمع. وقرأ عاصم ، ونافع ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائيّ على الجمع فيهما.
(٦٧١) وسبب نزولها أنّ جماعة من رؤساء قريش أسروا يوم بدر فيهم العبّاس بن عبد المطّلب ، فأقبل عليهم نفر من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فعيّروهم بالشّرك ، وجعل عليّ بن أبي طالب يوبّخ العبّاس بقتال رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقطيعة الرّحم ، فقال العبّاس : ما لكم تذكرون مساوئنا وتكتمون محاسننا؟ فقالوا : وهل لكم من محاسن؟ قالوا : نعم ، لنحن أفضل منكم أجرا ؛ إنّا لنعمر المسجد الحرام ، ونحجب الكعبة ، ونسقي الحجيج ، ونفك العاني ، فنزلت هذه الآية ، قاله مقاتل في جماعة.
وفي المراد بالعمارة قولان : أحدهما : دخوله والجلوس فيه. والثاني البناء له وإصلاحه ؛ فكلاهما محظور على الكافر. والمراد من قوله تعالى : (ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ) أي : يجب على المسلمين منعهم من ذلك. قال الزّجّاج : وقوله تعالى : (شاهِدِينَ) حال. المعنى : ما كانت لهم عمارته في حال إقرارهم بالكفر ، (أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) لأنّ كفرهم أذهب ثوابها.
فإن قيل : كيف يشهدون على أنفسهم بالكفر ، وهم يعتقدون أنّهم على الصّواب؟ فعنه ثلاثة أجوبة : أحدها : أنه قول اليهوديّ : أنا يهوديّ ، وقول النّصراني : أنا نصرانيّ ، قاله السّدّيّ. والثاني : أنهم ثبّتوا على أنفسهم الكفر بعدولهم عن أمر النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وهو حقّ لا يخفى على مميّز ، فكانوا بمنزلة من شهد على نفسه. والثالث : أنهم آمنوا بأنبياء شهدوا لمحمّد صلىاللهعليهوسلم بالتّصديق ، وحرّضوا على اتّباعه ، فلمّا آمنوا بهم وكذّبوه ، دلّوا على كفرهم ، وجرى ذلك مجرى الشهادة على أنفسهم بالكفر ، لأنّ الشهادة هي تبيين وإظهار ، ذكرهما ابن الأنباري.
فإن قيل : ما وجه قوله تعالى : (إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) ولم يذكر الرّسول ، والإيمان لا يتمّ إلّا به؟ فالجواب : أنّ فيه دليلا على الرّسول ، لقوله تعالى : (وَأَقامَ الصَّلاةَ)
____________________________________
(٦٧١) عزاه المصنف لمقاتل ، وهو ممن يضع الحديث. وذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٤٩١ من غير غزو لأحد. وانظر ما يأتي.