أي : الصّلاة التي جاء بها الرّسول ، قاله الزّجّاج. فإن قيل : (فَعَسى) ترجّ ، وفاعل هذه الخصال مهتد بلا شك. فالجواب ؛ أنّ «عسى» من الله واجبة ، قاله ابن عباس. فإن قيل : قد يعمر مساجد الله من ليس فيه هذه الصّفات. فالجواب : أنّ المراد أنه من كان على هذه الصّفات المذكورة ، كان من أهل عمارتها ؛ وليس المراد أنّ من عمرها كان بهذه الصّفة.
(أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٩) الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (٢٠) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ (٢١) خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (٢٢))
قوله تعالى : (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِ) في سبب نزولها ستة أقوال :
(٦٧٢) أحدها : رواه مسلم في «صحيحه» من حديث النّعمان بن بشير قال : كنت عند منبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال رجل : ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاجّ ، وقال الآخر : ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد الإسلام إلا أن أعمر المسجد الحرام ، وقال آخر : الجهاد في سبيل الله أفضل ممّا قلتم ، فزجرهم عمر ، وقال : لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو يوم الجمعة ، ولكنّي إذا صلّيت الجمعة دخلت فاستفتيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيما اختلفتم فيه ، فنزلت هذه الآية.
(٦٧٣) والثاني : أنّ العباس بن عبد المطّلب قال يوم بدر : لئن كنتم سبقتمونا بالإسلام والهجرة والجهاد ، لقد كنّا نعمر المسجد الحرام ونسقي الحاجّ ونفكّ العاني (١) ، فنزلت هذه الآية ، رواه عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس.
(٦٧٤) والثالث : أنّ المشركين قالوا : عمارة البيت الحرام ، والقيام على السّقاية ، خير ممّن آمن وجاهد ، وكانوا يفتخرون بالحرم من أجل أنهم أهله ، فنزلت هذه الآية ، رواه عطيّة العوفيّ عن ابن عباس.
(٦٧٥) والرابع : أنّ عليّا والعباس وطلحة ـ يعني سادن الكعبة ـ افتخروا ، فقال طلحة : أنا صاحب
__________________
(٦٧٢) صحيح أخرجه مسلم ١٨٧٩ وابن حبان ٤٥٩١ والطبري ١٦٥٥٧ عن النعمان بن بشير به.
(٦٧٣) ضعيف. أخرجه الطبري ١٦٥٧٢ عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وفيه إرسال بينهما.
وذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٤٩٣ من رواية الوالبي عن ابن عباس.
(٦٧٤) ضعيف جدا ، لكن يشهد لأصله ، ما بعده. أخرجه الطبري ١٦٥٧٣ بسند فيه مجاهيل عن عطية العوفي ـ وهو ضعيف ـ عن ابن عباس.
(٦٧٥) ورد من وجوه مرسلة متعددة. أخرجه الطبري ١٦٥٧٧ عن محمد بن كعب القرظي مرسلا. وأخرجه ١٦٥٧٨ عن الحسن. وبرقم ١٦٥٧٦ عن الشعبي ، وبرقم ١٦٥٧٩ عن السدي. وذكره الواحدي في «أسباب النزول»
__________________
(١) العاني : الأسير.