من الغنائم بعد قسمتها كما روي عن ابن عمر قال :
(٦١٣) بعثنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم في سريّة ، فغنمنا إبلا ، فأصاب كلّ واحد منّا عشر بعيرا ، ونفّلنا بعيرا بعيرا. فعلى هذا هي محكمة ، لأنّ هذا الحكم باق إلى وقتنا هذا.
فصل : ويجوز النّفل قبل إحراز الغنيمة ، وهو أن يقول الإمام : من أصاب شيئا فهو له ، وبه قال الجمهور. فأمّا بعد إحرازها ، ففيه عن أحمد روايتان. وهل يستحقّ القاتل سلب المقتول إذا لم يشرطه له الإمام ، فيه قولان : أحدهما : يستحقّه ، وبه قال الأوزاعيّ والليث والشّافعيّ. والثاني : لا يستحقّه ويكون غنيمة للجيش ، وبه قال أبو حنيفة ومالك ؛ وعن أحمد روايتان كالقولين.
قوله تعالى : (قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) أي : يحكمان فيها ما أرادا ، (فَاتَّقُوا اللهَ) بترك مخالفته (وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ) قال الزّجّاج : معنى «ذات بينكم» حقيقة وصلكم. والبين : الوصل ؛ كقوله تعالى : (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) (١). ثم في المراد بالكلام قولان : أحدهما : أن يردّ القويّ على الضّعيف ، قاله عطاء. والثاني : ترك المنازعة تسليما لله ورسوله.
قوله تعالى : (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) أي : اقبلوا ما أمرتم به في الغنائم وغيرها.
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢))
قوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ) قال الزّجّاج : إذا ذكرت عظمته وقدرته وما خوّف به من عصاه ، فزعت قلوبهم ، قال الشاعر:
لعمرك ما أدري وإنّي لأوجل |
|
على أينا تعدوا المنيّة أوّل (٢) |
يقال : وجل يوجل وياجل وييجل وييجل ، هذه أربع لغات حكاها سيبويه. وأجودها : يوجل. وقال السّدّيّ : هو الرجل يهمّ بالمعصية ، فيذكر الله فينزع عنها.
قوله تعالى : (وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ) أي : آيات القرآن. وفي قوله : (زادَتْهُمْ إِيماناً) ثلاثة أقوال : أحدها : تصديقا ، قاله ابن عباس. والمعنى : أنهم كلّما جاءهم شيء عن الله آمنوا به ، فيزدادوا إيمانا بزيادة الآيات. والثاني : يقينا ، قاله الضّحّاك. والثالث : خشية الله ، قاله الرّبيع بن أنس. وقد ذكرنا معنى التّوكّل في سورة آل عمران (٣).
(الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣))
____________________________________
(٦١٣) صحيح. أخرجه البخاري ٤٣٣٨ ومسلم ١٧٤٩ وأحمد ٢ / ١٠ وأبو داود ١٧٤٤ وابن حبان ٤٨٣٢ من حديث عمر. انظر القرطبي ٣١٨٠ بتخريجنا.
__________________
(١) سورة الأنعام : ٩٤.
(٢) البيت لمعن بن أوس في «مجاز القرآن» ١ / ٢٤٠.
(٣) سورة آل عمران : ١٢٢.