قوله تعالى : (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ) قال ابن عباس : يعني الصّلوات الخمس. (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) يعني الزّكاة.
(أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤))
قوله تعالى : (أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) ، قال الزّجّاج : «حقا» منصوب بمعنى دلّت عليه الجملة ، والجملة (أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ) ، فالمعنى : أحقّ ذلك حقّا. وقال مقاتل : المعنى : أولئك هم المؤمنون لا شكّ في إيمانهم كشكّ المنافقين.
قوله تعالى : (لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ) قال عطاء : الجنّة يرتقونها بأعمالهم ، والرّزق الكريم : ما أعدّ لهم فيها.
(كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ (٥) يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٦))
قوله تعالى : (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ) في متعلق هذه الكاف خمسة أقوال : أحدها : أنها متعلّقة بالأنفال. ثم في معنى الكلام ثلاثة أقوال : أحدها : أنّ تأويله : امض لأمر الله في الغنائم وإن كرهوا ، كما مضيت في خروجك من بيتك وهم كارهون ، قاله الفرّاء. والثاني : أنّ الأنفال لله والرسول صلىاللهعليهوسلم بالحقّ الواجب ، كما أخرجك ربّك بالحقّ ، وإن كرهوا ذلك ، قاله الزّجّاج. والثالث : أنّ المعنى : يسألونك عن الأنفال مجادلة ، كما جادلوك في خروجك ، حكاه جماعة من المفسّرين. والثاني : أنها متعلّقة بقوله تعالى : (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا) ، والمعنى : إنّ التّقوى والإصلاح خير لكم ، كما كان إخراج الله نبيّه محمّدا خيرا لكم وإن كرهه بعضكم ، هذا قول عكرمة. والثالث : أنها متعلّقة بقوله تعالى : (يُجادِلُونَكَ) ، فالمعنى : مجادلتهم إيّاك في الغنائم كإخراج الله إيّاك إلى بدر وهم كارهون ، قاله الكسائيّ. والرابع : أنها متعلّقة بقوله تعالى : (أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ) ، والمعنى : وهم المؤمنون حقّا كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ ، ذكره بعض ناقلي التّفسير. والخامس : أنّ «كما» في موضع قسم ، معناها : والذي أخرجك من بيتك ، قاله أبو عبيدة ، واحتجّ بأنّ «ما» في موضع «الذي» ومنه قوله : (وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) (١) ، قاله ابن الأنباري. وفي هذا القول بعد ، لأنّ الكاف ليست من حروف الأقسام.
وفي هذا الخروج قولان : أحدهما : أنه خروجه إلى بدر ، وكره ذلك طائفة من أصحابه ، لأنهم علموا أنهم لا يظفرون بالغنيمة إلّا بالقتال. والثاني : أنه خروجه من مكّة إلى المدينة للهجرة. وفي معنى قوله : «بالحق» قولان : أحدهما : أنك خرجت ومعك الحقّ. والثاني : أنك خرجت بالحقّ الذي وجب عليك. وفي قوله تعالى : (وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ) قولان : أحدهما : كارهون خروجك. والثاني : كارهون صرف الغنيمة عنهم ، وهذه كراهة الطّبع لمشقّة السّفر والقتال ، وليست كراهة لأمر الله تعالى.
قوله تعالى : (يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِ) يعني في القتال يوم بدر ، لأنّهم خرجوا بغير عدّة ، فقالوا : هلّا
__________________
(١) سورة الليل : ٣.