(أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (١٨٤) أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (١٨٥) مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١٨٦))
قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ) سبب نزولها :
(٥٩٦) أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، علا على الصّفا ليلة ، ودعا قريشا فخذا فخذا : يا بني فلان ، يا بني فلان ، يا بني فلان ، فحذرهم بأس الله وعقابه ، فقال قائلهم : إنّ صاحبكم هذا لمجنون ، بات يصوّت حتى الصّباح ، فنزلت هذه الآية ، قاله الحسن ، وقتادة.
ومعنى الآية : أو لم يتفكّروا فيعلموا ما بصاحبهم من جنّة ، أي : جنون ، فحثّهم على التّفكر في أمره ليعلموا أنه بريء من الجنون ، (إِنْ هُوَ) أي : ما هو (إِلَّا نَذِيرٌ) أي : مخوف (مُبِينٌ) يبين طريق الهدى. ثم حثّهم على النّظر المؤدّي إلى العلم فقال : (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ليستدلّوا على أنّ لها صانعا مدبّرا ؛ وقد سبق بيان الملكوت في (الأنعام) (١).
قوله تعالى : (وَما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ) قرأ ابن مسعود ، وأبيّ ، والجحدريّ : «آجالهم». ومعنى الآية : أو لم ينظروا في الملكوت وفيما خلق الله من الأشياء كلّها ، وفي أن عسى أن تكون آجالهم قد قربت فيهلكوا على الكفر ، ويصيروا إلى النار ، (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) يعني القرآن وما فيه من البيان. ثم ذكر سبب إعراضهم عن الإيمان ، فقال : (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ) قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر : «ونذرهم» بالنون والرّفع. وقرأ أبو عمرو بالياء وبالرّفع. وقرأ حمزة والسكائيّ : «ويذرهم» بالياء مع الجزم خفيفة ، فمن قرأ بالرّفع استأنف ، ومن جزم «ويذرهم» عطف على موضع الفاء. قال سيبويه : وموضعها جزم ؛ فالمعنى : من يضلل الله يذره ؛ وقد سبق في سورة (البقرة) (٢) معنى الطّغيان والعمه.
(يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (١٨٧))
قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ) في سبب نزولها قولان :
(٥٩٧) أحدهما : أنّ قوما من اليهود قالوا : يا محمّد ، أخبرنا متى السّاعة؟ فنزلت هذه الآية ، قاله ابن عباس.
____________________________________
(٥٩٦) ضعيف جدا بهذا اللفظ. أخرجه الطبري ١٥٤٧٢ عن قتادة مرسلا ، ومع إرساله ذكره قتادة بصيغة التمريض ، وحديث وقوفه صلىاللهعليهوسلم على الصفا في الصحيح ، والوهن في هذا الخبر ذكر نزول الآية ، وأنكر من ذلك قوله «حتى الصباح» فهذا باطل لأنه صلىاللهعليهوسلم إنما نادى الناس صباحا ، فاجتمعوا فلما سمعوا ما يدعوهم إليه قال أبو لهب ما قال ، فتفرق الناس.
(٥٩٧) باطل. أخرجه الطبري ١٥٤٧٤ عن ابن عباس وفي إسناده محمد بن أبي محمد وهو مجهول ، والمتن باطل لأن السورة مكية ، وسؤالات يهود مدنية. وذكره الواحدي في أسباب «النزول» ٤٥٨ من حديث ابن عباس.
__________________
(١) سورة الأنعام : ٧٥.
(٢) سورة البقرة : ١٥.