(وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (١٨١))
قوله تعالى : (وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِ) أي : يعملون به ، (وَبِهِ يَعْدِلُونَ) أي : وبالعمل به يعدلون. وفيمن أريد بهذه الآية أربعة أقوال : أحدها : أنهم المهاجرون والأنصار والتّابعون بإحسان من هذه الأمّة ، قاله ابن عباس. وكان ابن جريج يقول :
(٥٩٤) ذكر لنا أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «هذه أمّتي ، بالحقّ يأخذون ويعطون ويقضون.
(٥٩٥) وقال قتادة : بلغنا أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم كان إذا تلا هذه الآية قال : «هذه لكم وقد أعطي القوم مثلها» ثم يقرأ : (وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) (١٥٩) (١).
والثاني : أنهم من جميع الخلق ، قاله ابن السّائب. والثالث : أنهم الأنبياء. والرابع : أنهم العلماء ، ذكر القولين الماوردي.
(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (١٨٢) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (١٨٣))
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) قال أبو صالح عن ابن عباس : هم أهل مكّة. وقال مقاتل : نزلت في المستهزئين من قريش.
قوله تعالى : (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ) قال الخليل بن أحمد : سنطوي أعمارهم في اغترار منهم. وقال أبو عبيدة : الاستدراج : أن يتدرّج إلى الشيء في خفية قليلا قليلا ولا يهجم عليه ، وأصله من الدّرجة ، وذلك أنّ الرّاقي والنازل يرقى وينزل مرقاة مرقاة ؛ ومنه : درج الكتاب : إذا طواه شيئا بعد شيء ؛ ودرج القوم : إذا ماتوا بعضهم في إثر بعض. وقال اليزيديّ : الاستدراج : أن يأتيه من حيث لا يعلم. وقال ابن قتيبة : هو أن يذيقهم من بأسه قليلا قليلا من حيث لا يعلمون ، ولا يباغتهم به ولا يجاهرهم. وقال الأزهريّ : سنأخذهم قليلا قليلا من حيث لا يحتسبون ؛ وذلك أنّ الله تعالى يفتح عليهم من النّعيم ما يغتبطون به ويركنون إليه ، ثم يأخذهم على غرّتهم أغفل ما يكونون. قال الضّحّاك : كلّما جدّدوا لنا معصية جدّدنا لهم نعمة. وفي قوله تعالى : (مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) قولان : أحدهما : من حيث لا يعلمون بالاستدراج. والثاني : بالهلكة.
قوله تعالى : (وَأُمْلِي لَهُمْ) الإملاء : الإمهال والتّأخير.
قوله تعالى : (إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) قال ابن عباس : إنّ مكري شديد. وقال ابن فارس : الكيد : المكر ؛ فكلّ شيء عالجته فأنت تكيده. قال المفسّرون : مكر الله وكيده : مجازاة أهل المكر والكيد على نحو ما بيّنا في (البقرة) (٢) و (آل عمران) (٣) من ذكر الاستهزاء والخداع والمكر.
____________________________________
(٥٩٤) ضعيف جدا. أخرجه الطبري ١٥٤٦٩ عن ابن جريج مرسلا ، ومع إرساله ، مراسيل ابن جريج واهية ، شبه موضوعة كما قال الإمام أحمد ، راجع «الميزان». وانظر «تفسير ابن كثير» ٢ / ٣٣٨.
(٥٩٥) ضعيف. أخرجه الطبري ١٥٤٧١ عن قتادة مرسلا. والمرسل من قسم الضعيف.
__________________
(١) سورة الأعراف : ١٥٩.
(٢) سورة البقرة : ١٥.
(٣) سورة آل عمران : ٥٤.