(٥٩٨) والثاني : أنّ قريشا قالت : يا محمّد ، بيننا وبينك قرابة ، فبيّن لنا متى السّاعة؟ فنزلت هذه الآية ، قاله قتادة. وقال عروة : الذي سأله عن السّاعة عتبة بن ربيعة. والمراد بالسّاعة ها هنا التي يموت فيها الخلق.
قوله تعالى : (أَيَّانَ مُرْساها) قال أبو عبيدة : أي : متى مرساها؟ أي : منتهاها. ومرسى السّفينة : حيث تنتهي. وقال ابن قتيبة : «أيّان» بمعنى : متى ؛ و «متى» بمعنى : أي حين ، ونرى أنّ أصلها : أيّ أوان ؛ فحذفت الهمزة والواو ، وجعل الحرفان واحدا ، ومعنى الآية : متى ثبوتها؟ يقال : رسا في الأرض ، أي : ثبت ، ومنه قيل للجبال : رواسي. قال الزّجّاج : ومعنى الكلام : متى وقوعها؟
قوله تعالى : (قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي) أي : قد استأثر بعلمها (لا يُجَلِّيها) أي : لا يظهرها في وقتها (إِلَّا هُوَ). قوله تعالى : (ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فيه أربعة أقوال (١) : أحدها : ثقل وقوعها على أهل السماوات والأرض ، قاله ابن عباس ، ووجهه أنّ الكلّ يخافونها ، محسنهم ومسيئهم. والثاني : عظم شأنها في السماوات والأرض ، قاله عكرمة ، ومجاهد ، وابن جريج. والثالث : خفي أمرها ، فلم يعلم متى كونها ، قاله السّدّيّ. والرابع : أنّ «في» بمعنى «على» فالمعنى : ثقلت على السماوات والأرض ، قاله قتادة. قوله تعالى : (لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً) أي : فجأة.
قوله تعالى : (كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها) فيه أربعة أقوال : أحدها : أنه من المقدّم والمؤخّر ، فتقديره : يسألونك عنها كأنّك حفيّ ، أي : برّ بهم ، كقوله تعالى : (إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا). قال العوفيّ عن ابن عباس ، وأسباط عن السّدّيّ : كأنّك صديق لهم. والثاني : كأنّك حفيّ بسؤالهم ، مجيب لهم. قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس : كأنّك يعجبك سؤالهم. وقال خصيف عن مجاهد : كأنّك تحبّ أن يسألونك عنها. وقال الزّجّاج : كأنّك فرح بسؤالهم. والثالث : كأنّك عالم بها ، قاله الضّحّاك عن ابن عباس ، وهو قول ابن زيد ، والفرّاء. والرابع : كأنّك استحفيت السؤال عنها حتى علمتها ، قاله ابن أبي نجيح عن مجاهد. وقال عكرمة : كأنّك مسؤول عنها. وقال ابن قتيبة : كأنّك معني بطلب علمها. وقال ابن الأنباري : فيه تقديم وتأخير ، تقديره : يسألونك عنها كأنّك حفيّ بها ، والحفيّ في كلام العرب : المعنيّ.
قوله تعالى : (قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ) أي : لا يعلمها إلّا هو (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) قال مقاتل في آخرين : المراد بالنّاس ها هنا أهل مكّة.
____________________________________
(٥٩٨) ضعيف. أخرجه الطبري ١٥٤٧٣ عن قتادة مرسلا ، فهو ضعيف. وذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٤٥٩ عن قتادة مرسلا.
__________________
(١) قال الطبري في «تفسيره» ٦ / ١٣٨ : وأولى ذلك عندي بالصواب قول من قال : معنى ذلك : ثقلت الساعة في السماوات والأرض على أهلها أن يعرفوا وقتها وقيامها ، لأن الله تعالى ذكره أخفى ذلك عن خلقه ، فلم يطلع عليه منهم أحد ، وذلك أن الله أخبر بذلك بعد قوله (قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ) ، وأخبر بعده أنها لا تأتي إلا بغتة ، فالذي هو أولى : أن يكون ما بين ذلك أيضا خبرا عن خفاء علمها عن الخلق ، إذ كان ما قبله وما بعده كذلك.