(وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ (١٧٢))
قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ). روى ابن عباس عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه قال :
(٥٩٠) «أخذ الله الميثاق من ظهر آدم بنعمان» ـ ونعمان قريب من عرفة ، ذكره ابن قتيبة ـ «فأخرج من صلبه كلّ ذرّية ذرأها ، فنثرهم بين يديه كالذّرّ ، ثم كلّمهم قبلا ، وقال : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ)».
ومعنى الآية : وإذ أخذ ربّكم من ظهور بني آدم. فقوله تعالى : (مِنْ ظُهُورِهِمْ) بدل من (بَنِي آدَمَ). وقيل : إنّما قال : (مِنْ ظُهُورِهِمْ) ولم يقل : من ظهر آدم ، لأنه أخرج بعضهم من ظهور بعض ، فاستغنى عن ذكر ظهر آدم لأنه قد علم أنهم بنوه ، وقد أخرجوا من ظهره. وقوله تعالى : (ذُرِّيَّتَهُمْ) قرأ ابن كثير ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائيّ «ذرّيّتهم» على التّوحيد. وقرأ نافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر «ذرّيّاتهم» على الجمع. قال أبو عليّ : الذّرّية تكون جمعا ، وتكون واحدا. وفي قوله تعالى : (وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ) ثلاثة أقوال : أحدها : أشهدهم على أنفسهم بإقرارهم ، قاله مقاتل. والثاني : دلّهم بخلقه على توحيده ، قاله الزّجّاج. والثالث : أنه أشهد بعضهم على بعض بإقرارهم بذلك ، قاله ابن جرير.
قوله تعالى : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) والمعنى : وقال لهم : ألست بربّكم؟ وهذا سؤال تقرير. قالوا : بلى شهدنا أنّك ربّنا. قال السّدّيّ : قوله «شهدنا» خبر من الله تعالى عن نفسه وملائكته أنّهم شهدوا على إقرار بني آدم. ويحسن الوقف على قوله «بلى» لأنّ كلام الذّرّية قد انقطع. وزعم الكلبيّ أنّ الذّرّية لمّا قالت : «بلى» ، قال الله تعالى للملائكة : «اشهدوا» فقالوا : «شهدنا». وروى أبو العالية عن أبيّ بن كعب قال : جمعهم جميعا ، فجعلهم أزواجا ، ثم صوّرهم ، ثم استنطقهم ، ثم قال : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا) أنك إلهنا. قال : فإنّي أشهد عليكم السماوات السبع والأرضين السبع ، وأشهد عليكم أباكم آدم (أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ) لم نعلم بهذا. وقال السّدّي : أجابته طائفة طائعين ، وطائفة كارهين تقيّة.
قوله تعالى : (أَنْ تَقُولُوا) قرأ أبو عمرو «أن يقولوا» ، «أو يقولوا» بالياء فيهما. وقرأ الباقون بالتاء فيهما. قال أبو عليّ : حجّة أبي عمرو قوله : «وإذ أخذ ربك» وقوله تعالى : «قالوا بلى» ، وحجّة من قرأ بالتاء ، أنه قد جرى في الكلام خطاب : «ألست بربكم قالوا بلى شهدنا». ومعنى قوله : «تقولوا» : لئلّا
____________________________________
(٥٩٠) الصحيح موقوف. أخرجه النسائي في «الكبرى» ١١١٩١ وأحمد ١ / ٢٧٢ ح ٢٤٥١. والطبري ١٥٣٤٩ والحاكم ١ / ٢٧ و ٢ / ٥٤٤ من حديث كلثوم بن جبر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعا. صححه الحاكم ، وقال : احتج مسلم بكلثوم بن جبر ، ووافقه الذهبي ، وأما النسائي فقال : كلثوم هذا غير قوي ، وحديثه غير محفوظ ا. ه. والظاهر أن الوهم في رفعه إنما هو من جهة جرير بن حازم ، فإنه ثقة لكن له أوهام إذا حدث من حفظه. أو الوهم ممن دونه فقد أخرجه الطبري ١٥٣٥٠ عن عبد الوارث عن كلثوم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفا. وتابعه ابن علية برقم ١٥٣٥١ عن كلثوم به موقوفا ، و ١٥٣٥٢ ، وبرقم ١٥٣٥٣ و ١٥٣٥٤ ، تابعه عطاء بن السائب فرواه عن سعيد عن ابن عباس موقوفا ، فالصواب في هذا الحديث الوقف كما رواه غير واحد ، والله أعلم انظر «تفسير ابن كثير» عند هذه الآية بتخريجنا.